لماذا قتْل المصلين؟!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
&&عبدالحميد الأنصاري
&
بعد أن خلق الله تعالى الأرض وهيأها للحياة، أخبر ملائكته المطهرين أن إرادته العليا اقتضت خلق من يسكنها ويعمرها ويستخلف فيها، فقال عز وجل "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً"، فكان جواب الملائكة الأطهار "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ" فقال جل وعلا "إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ". صدق الله تعالى، ولكن من أين للملائكة علم بأن هذا الجنس المخلوق سيفرز من يفسد في الأرض ويسفك الدماء؟!
لا شك أن الله عز وجل أعلمهم بذلك، الإفساد في الأرض وسفك دماء الأبرياء هما السمتان الرئيستان لكل الجماعات والتنظيمات العدوانية، على مر التاريخ البشري إلى يومنا هذا، وهذا ما نراه ونشاهده يومياً على يد تنظيم "داعش" والجماعات المعتنقة للفكر التدميري العدواني في مجتمعاتنا، في مشاهد دموية يذهب ضحيتها أبرياء، لا ذنب لهم إلا أن شاء حظهم العاثر أن يستهدفهم هؤلاء الذين تخلوا عن آدميتهم، وجنّدوا أنفسهم "قنابل بشرية" رخيصة في خدمة هذه الجماعات الإرهابية.
"فاجعة القديح" التي استهدفت بيتاً من بيوت الله تعالى، فأودت بحياة (21) مصلياً شهيداً، والعشرات من المصابين الذين كانوا يؤدون فريضة الجمعة، جريمة في غاية البشاعة، لا تقدم عليها إلا نفس ملئت كرهاً وبغضاً وعدوانية، لا حدود لعدوانيتها، ولا سقف لكراهيتها، ولا خط أحمر أمام انتهاكها للحرمات وتجاوزها للمقدسات!
من كان يتصور نفسية بهذه العدوانية، تذهب لصلاة الجمعة، وفي الركعة الثانية، وآيات الله تعالى تتلى، يفجر الحزام الناسف في جموع المصلين، لتتطاير أجسادهم أشلاء، وتسيل دماؤهم البريئة، وتصعد أرواحهم إلى بارئها؟! هل هناك إفساد أعظم؟! أرواح الشهداء، انتقلت إلى بارئها، مخلفة أحزاناً هائلة كالجبال على نفوس أهالي هذه البلدة الصغيرة المحاطة بالنخيل في الزاوية الشمالية الغربية بمدينة القطيف، الناس هنا متحابون، مترابطون عائلياً، بفعل المصاهرة والقرابة، وذلك يفاقم أحزانهم، ومعظم الضحايا الشهداء شباب متعلمون، وموظفون في مقتبل العمر، وهناك الطفل حيدر المقيلي ذو الخمسة أعوام الذي استبق والده إلى المسجد، ليذهب ضحية الإرهاب الغادر كأصغر الشهداء، الله تعالى لكم يا أهالي هذه البلدة الوادعة الطيبة.
دعونا نطرح تساؤلين:
1- لماذا استهداف المساجد؛ بيوت الله تعالى؟
الملاحظ على امتداد السنوات الخمس الأخيرة، أن استهداف المساجد أصبح ظاهرة في المجتمعات الإسلامية، في خرق لكل الثوابت الدينية من أن المساجد بيوت الله تعالى، من دخلها فهو آمن، وفي تجاوز لكل المقدسات، "داعش" وحلفاؤه أصبحوا يركزون أعمالهم العدوانية على المساجد، سنّة وشيعة على حد سواء، بدءاً من مساجد العراق مروراً بمساجد صنعاء وانتهاء بمساجد المملكة العربية السعودية، وذلك:
أولاً: لأن هذه الأهداف سهلة الاختراق وغير محمية، فضلاً عن أنه يصعب تفتيش كل المصلين.
وثانياً: لأن العنف الإرهابي أساسه قتل أكبر عدد من البشر لإحداث أكبر قدر من الفزع والرعب.
2- لماذا يستهدف "داعش" إخواننا الشيعة في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية؟
لا يخفى على أي مراقب لعمليات "داعش" الإرهابية، أنها تستهدف الإخوة الشيعة بالمنطقة الشرقية بالذات، ففي نوفمبر من العام الماضي، استهدف "داعش" حسينية المصطفى بقرية الدالوة بالأحساء في عدوان غادر لتفجيرها، وراح ضحيته عدد من الشهداء الشيعة، وقبل عشرة أيام الجمعة السابقة استهدف "داعش" مسجد الإمام علي- كرم الله تعالى وجهه- وراح ضحيته ما يربو على (100) مصلّ ما بين شهيد وجريح، ومنذ (3) أيام الجمعة الماضية استهدف مسجد الإمام الحسين بحي العنود بالدمام وراح ضحيته (3) شهداء.
يؤكد الباحثون والمراقبون أن هذه الأعمال الإرهابية التي تستهدف شيعة المنطقة الشرقية هدفها الأساسي إثارة الفتنة الطائفية بين السنّة والشيعة، وشق وحدة الصف الوطني السعودي وزرع الكراهية بين المواطنين، في محاولة لاستغلال أجواء (عاصفة الحزم) وتجييرها مذهبياً.
ختاماً:
هناك اليوم مطالب عديدة بتشريع يجرم الكراهية المذهبية ويلجم دعاة الفتنة الطائفية، وهذا أمر علاجي جيد، لكني أرى أن الوقاية أجدى من العلاج، لنبدأ بخطة لتحصين ناشئتنا من أمراض الفكر المتطرف، مثلما نحصنهم من الأوبئة، عبر الأسرة فالمدرسة فالجامع والجامعة والمنظمات المجتمعية، وذلك بالفكر النقدي، والانفتاح الثقافي، وترسيخ حب الحياة في نفوس شبابنا، بدلاً من حب الموت شوقاً إلى الحور في الجنان، كما في تغريدات الانتحاري صالح القشعمي!