جريدة الجرائد

«سيلفي القصبي».. وشراكة الحرب على الإرهاب

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

&&أحمد الجميعة


مكافحة الإرهاب لا تستثني جهداً مجتمعياً في مواجهة مصادره، وأفكاره، ورموزه، وهذا الجهد - قلّ أو كثر - هو تعبير عن موقف وشراكة مع بقية مؤسسات المجتمع؛ لتوعية أفراده من خطر هذا السواد الحالك الذي أخذ منّا شباباً في عمر الزهور، وصنع منهم أبطالاً على مسرح مكشوف من الكراهية، والتحريض، والقتل والتدمير، وإثارة الفوضى، وكما قلنا مراراً أن وزارة الداخلية تحمّلت وحدها مسؤولية مكافحة الإرهاب في غياب أو تغييب أدوار مؤسسية كان يفترض أن تؤدي دوراً نوعياً أفضل مما هو متاح حالياً، وبالتالي كان العبء الأكبر على الجهات الأمنية لتوصيل رسالة خطر الإرهاب، وآثاره التدميرية على المجتمع، وتحديداً حينما تتوافر معلومات أمنية، أو تطورات تقنية أو عمليات تستهدف أمن الوطن واستقراره، حيث تكون الرسالة الأمنية أكثر تأثيراً.

نعود إلى موضوع الشراكة المجتمعية في مواجهة الإرهاب، حيث نجد أن الفن لا يقل تأثيراً في إيصال الرسالة عن الجهد الأمني المميز، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول مضمون تلك الرسالة، مادام أن الهدف واضح في رؤيته، ومحدد في التعبير عنه، والوصول إليه، وبالتالي نسبة المشاهدة العالية للأعمال الفنية، وتحديداً من فئة الشباب، مع وجود رسالة هادفة للتحذير من الإرهاب وأفكاره وسلوكه وجماعاته؛ تعني أن الرسالة وصلت، ولكن حجم تأثيرها أكبر وأبلغ.

الفنان الكبير ناصر القصبي طرح في مسلسله الرمضاني "سيلفي" حلقة من جزءين عن قصة أب يبحث عن ابنه بين جماعة داعش الإرهابية، وتطورات الأحداث التي تكشف خطر هذه الجماعة فكرياً وسلوكياً على الشباب، وتحديداً صغار السن، واستغلالهم لأعمال إرهابية ضد بلدانهم، وهذا التناول الجريء بقالب ساخر وهادف في موقفه ولغة تعبيره هو شراكة فنية قيّمة في حربنا ضد الإرهاب، وتعرية أجنداته، وأفكاره، ومشاركة فاعلة من فنان قدير تصدى - ولا يزال - لمظاهر التشدد والعنف في المجتمع، وخرج منها في كل مرة أكثر قوة رغم التهديد المتكرر، إلا أنه مستمر؛ وهذا هو الأهم.

اللافت في معالجة نص الحلقة أن ناصر القصبي تجاوز فكرة الصواب والخطأ في التعبير عن موقفه من الإرهاب، وذهب إلى ما هو أبعد نوعياً في التعبير عن نهاية الصواب والخطأ، وهذا فعلاً ما نحتاجه؛ فالشاب المغرّر به لم يدرك وهو يقرر الانضمام إلى داعش ما ستكون عليه نهايته، ولم يستوعب وهو في هذه السن أنه مجرد أداة في محرقة الموت الرخيص لقتل الأبرياء، ولم يأخذ في حسبانه أيضاً أنه ترك وطناً وأسرة هما في حاجته، وينتظران منه ما هو أفضل للمستقبل.

ردود الفعل على الحلقة هي حق لكل طرف في دائرة النقد البناء، ولكنها لا تتجاوز إلى العداء، والهجوم الشخصي، والتهديد، والوعيد، وخلط المفاهيم؛ لأننا لا نريد أن ننقسم على قضية نحن متفقون عليها جميعاً وهي الحرب على الإرهاب، والتصدي لكل ما يغذّيه من خطاب تحريضي أو طائفي، أو تصدير للكراهية والعنف، وأنا على يقين من أن أبناء المجتمع الواحد سيبقون كذلك مهما اختلفت وجهات نظرهم؛ لأنهم مدركون لواجباتهم ومسؤولياتهم الدينية والوطنية، وتحديداً في هذه المرحلة التي يجب أن نكون أكثر تصميماً في مواجهة خطر الإرهاب، فالداعية في مسجده، والمعلم في مدرسته، والأسرة في بيتها، والإعلامي في منبره، وأيضاً الفنان الواعي في موقعه؛ فالجميع شركاء من دون استثناء.

إن الإرهاب الأعمى الذي يتخطف شبابنا، ويغرّر بهم إلى مواقع الفتن، والقتل، ويجعل منهم حطباً لنيرانه التي امتدت بلا حدود، أو توقف؛ هو أكثر ما يهدّد وحدتنا، وأمننا، واستقرارنا، وهو ما يتطلب منا وعْياً مشتركاً، وجهداً أكبر في المواجهة، ونكون يداً واحدة مع الدولة، وعوناً لها، وثقة فيها؛ لأنها بعد الله هي من تحمي مقدراتنا ومكتسباتنا، وأهمها الأمن والاستقرار.
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف