جريدة الجرائد

أثينا ترقص وتغني

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

سمير عطا الله

كان غسان تويني يروي حكاية جارين يهوديين، أقرض أحدهما الآخر ألف دولار. فلما جاء موعد التسديد شعر المدين بقلق شديد، ولم يعد يقوى على النوم. فسألت زوجته السبب، فأجاب أن الألف دولار استحقت، ولا يملك منها شيئا. فما كان منها إلا أن فتحت النافذة ونادت على الجار الدائن، وعندما أطل، صرخت فيه: زوجي غير قادر على التسديد! ثم تطلعت إلى زوجها وقالت: اذهب ونم، الآن جارنا لن ينام.


قصة اليونان مع أوروبا تشبه، حرفيا، قصة الجارين. دولة مدينة لا تريد أن تغيِّر في نمط عيشها، ولا في نمط إنتاجها، ولا في طول قيلولة بعد الظهر. وأيضًا، لا تريد أن تسدد قرشًا من ديونها: ما معي أدفع. روحوا بلطوا البحر! هذا بلد زوربا اليوناني، الذي قال لمعلمه البريطاني المحافظ الدؤوب: &"ارقص سيدي، ارقص&". وتعلّم سيده الرقص، وخسر الاثنان كل شيء.


وهناك اليوناني الآخر الذي كان كلما قال جملة، ألحقها بالقول: &"كل من له علي قرش فليتفضل ويطالب به&". ولم يتقدم أحد. فالجميع كانوا يعرفون أنه مدين لهم، جميعًا. في أي حال، الحق على أوروبا. ما من أحد في العالم لا يعرف أن اليونان أشهر &"صرَّار صيف&" بين الدول. الصرَّار يمضي فصلاً واحدًا في الغناء وهي تمضي في الغناء خمسة فصول. فمتى تعمل؟ خرجت الفلسفة من اليونان، لأنها لم تكن تتطلب أكثر من الكلام، ثم المزيد من الشرح. اعترض أفلاطون وأرسطو وسقراط على كل شيء إلا على العبودية. وشرَحَها أرسطو شرحًا جميلاً، لكنه يبعث على التقزز. اعتبر &"العبد&" مُلكيّة أخرى مثل المنزل والزرع وسائر أسباب الراحة.


شعب يريد أن يرتاح. الإسكندر الكبير جاءهم من مقدونيا القريبة وليس من أثينا. وسوف تقاضيك اليونان اليوم إذا سميّته &"الإسكندر المقدوني&"، لأن مقدونيا أصبحت مستقلة. أما أثينا ففي كل تاريخها كانت تفضل الغناء والعزف على البوزوكيا (البزق) والرقص على أنغامها أيضا. وفي مرحلة من شبابي أحببت أثينا وهمت بها. وفي الماضي كان ممتعًا أن تدخل أثينا في شبابك: كلاهما بلا هموم، وبلا نضوج، وبلا حسابات.


بقي من الشباب ما يبقى منه عادة: ذكرى جميلة مهما بعثرت غبارها السنون. ولا تتجمع جماليات الحياة إلا قبل الرشد الحقيقي. وهو ليس في الثامنة عشرة، بل يختلف باختلاف الظروف. والبعض، مثل أثينا، لا يبلغه أبدا. ويرى الحياة رقصًا وبوزوكيا وتكسير صحون، ثم عدم دفع الفواتير. ما دامت ألمانيا جديّة إلى هذا الحد، فلتدفع ألمانيا عنا. لكن بورصات العالم أجمع دفعت ثمن الإفلاس اليوناني، وأثينا تهتف مثل زوربا: ارقص سيدي، ارقص. فداخت ووقعت.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف