جريدة الجرائد

نتنياهو يذهب إلى الحرب

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عوني صادق

بالرغم من الدعم الذي لا يزال الكيان الصهيوني يلقاه من الدول الغربية، وفي الطليعة منها الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن كثيرين يرون أن الموقف الدولي بدأ بالتحول تجاهه ولغير مصلحته يزيد من عزلته، كدولة مارقة مستهترة بالمواثيق والشرائع الدولية، ويضيق عليه مجال حركته. أدى ذلك إلى أن ترتفع أصوات &"إسرائيلية&" مسموعة تحذر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من مواصلة السياسات التي يتبعها والتي تتلخص في مواصلته عمليات الاستيطان والقمع ضد الشعب الفلسطيني، ولمزيد من التطرف والعنصرية في كل مستوى. لكن الواضح أن نتنياهو يدير ظهره لكل التحذيرات والنصائح، ويقلل من أهمية الموقف الدولي، ويتصور أن الشعب الفلسطيني في ضوء انقساماته والتدهور الحاصل في محيطه العربي، سيجد نفسه مضطراً للاستسلام للمخططات التوسعية العنصرية الأكثر تطرفاً، سياسات يبدو أنها ستجعل نتنياهو يذهب إلى الحرب.

وأثناء زيارة وزير خارجية التشيك، لوبومير زاورالك، ل &"تل أبيب&" في الثامن من يونيو/حزيران الماضي، ولقائه نتنياهو ومحادثاته معه، تأكدت مخاوف وظنون بعض المراقبين الصهاينة، عندما قال له الأخير شارحاً له الوضع في المنطقة: &"الشرق الأوسط يشهد انهيار دول أمام أعيننا. سوريا لم تعد موجودة، العراق لم يعد موجوداً، ليبيا لم تعد موجودة، اليمن لم يعد موجوداً...&"، والمعنى ليس في قلب نتنياهو بل واضح جلي،

وبعد فوزه غير المتوقع في انتخابات الكنيست العشرين، وتشكيله حكومته الرابعة بمكوناتها الأكثر تطرفاً وعنصرية، قام &"مركز دراسات الأمن القومي&"، في جامعة &"تل أبيب&"، بدراسة للتحديات الأمنية التي تواجه الكيان، وأعد وثيقة ضمنها توصياته لحكومة نتنياهو وما يتوجب أن تفعله في المئة يوم الأولى من عمرها لمواجهة الملحّ من تلك التحديات، وأبرزها:

1) إصلاح العلاقة مع الولايات المتحدة.

2) وقف المد الإيراني في الشرق الأوسط.

3) طرح مبادرة سياسية جديدة على الساحة الفلسطينية.

وعن &"المبادرة&" التي اقترحها، قال &"المركز&": إن &"التسوية النهائية&" للصراع مع الفلسطينيين غير قابلة للتحقق في المستقبل القريب، إلا أن &"الجمود السياسي خلق ل&"إسرائيل&" مشكلة تتعلق بشرعيتها وشرعية نشاطاتها السياسية والعسكرية&". لذلك يرى، وحتى يحافظ الكيان على شرعيته &"كدولة ديمقراطية آمنة ذات حدود معترف بها، يجب طرح مبادرة سياسية تقوم على خطة تهدف إلى تعزيز الهدف الاستراتيجي في الوصول إلى حل الدولتين لشعبين&"، وتتضمن الخطة كلاماً عن &"الترتيبات الأمنية&"، وبضمانات دولية وإقليمية.

وبعد شهر من تقديم &"مركز الأمن القومي&" توصياته، نشرت صحيفة (يديعوت أحرونوت- 24-6-2015) مقالاً لمدير مكتب إسحق رابين عندما كان الأخير رئيساً للوزراء، إيتان هابر، تنبأ فيه بحرب قادمة سيذهب إليها نتنياهو هذا الصيف &"لأن الصيف هذا هو عادة الوقت المريح&"، وفي مقاله، سجل هابر &"شهادة&" نادرة، ربما لم يقصدها، حيث قال: &"كل رئيس وزراء، ومن أي حزب كان في &"إسرائيل&"، يفكر في مكانه في تاريخ الدولة، بل وتاريخ الشعب اليهودي، ويعرف أنه لا يمكن الدخول إلى التاريخ إلا بحرب&"، ودلل على ذلك باستعراض الحروب التي أشعلها رؤساء وزارات &"إسرائيل&" بدءاً من بن غوريون وانتهاء بإيهود أولمرت، مروراً بمناحيم بيغن، بل وموشيه دايان، أيضاً، الذي لم يصل إلى رئاسة الوزراء.

ويصل هابر في مقاله إلى نتنياهو، وفي ذهنه الوضع العربي الذي تحدث عنه نتنياهو في لقائه مع الوزير التشيكي، فيقول: &"لقد نشأت لرئيس الوزراء الحالي فرصة يخيل إليه أنها لن تتكرر لضرب أعداء &"إسرائيل&" بشدة، ولتمديد الوقفات الزمنية بين الحروب لفترة طويلة جدً، والإغراء كبير للغاية&".

في رأي هابر، إذاً، أن الظروف مغرية جداً ليذهب نتنياهو إلى الحرب. وإذا أضفنا إلى ذلك الحقيقة التي نعرفها قبل أن يعترف بها هابر، وهي أن الحرب هي الطريقة الوحيدة التي يعرفها القادة الصهاينة لتحقيق أهدافهم من قبل أن تكون هناك &"دولة إسرائيل&"، والحقيقة التاريخية التي تثبت أن كل ما شهده المشرق العربي من حروب بعد قيامها كان وراءها أولئك القادة، يصبح سهلاً على أي مراقب أن يفهم لماذا يطلق نتنياهو تصريحاته، ولماذا يضع شروطه التعجيزية، ولماذا يرفض أي محاولة للسير في طريق الحل، بالرغم من أنها كلها طرق تؤدي إلى حمايته وتحقيق مصالحه معاً.

وسواء كانت الظروف مغرية للذهاب إلى الحرب أو لم تكن، فإن التمسك بالاحتلال والتوسع في الاستيلاء على الأرض وسياسة القمع والإصرار على السيطرة على شعب آخر، كلها مشكلات لا تحل عند نقطة معينة إلا بالحرب، خصوصاً إذا كان المحتل يملك ما يحتاج من قوة. والمستعمر المحتل في كل مكان وزمان، غاطساً تحت أثقال أيديولوجيته الاستعمارية، لا يرى من الحقائق إلا ما يناسب مخططاته فينتهي بالانقطاع عن الواقع تماماً.

وفي مقال له في (هآرتس-4-6-2015)، كتب جدعون ليفي واصفاً &"السلوك الإسرائيلي&" بالمرض، فقال: &"الانقطاع عن الواقع يصل الآن إلى مرحلة خطرة، ودرجة المرض تزداد خطورة. وحينما يبدأ العالم بمشاهدة بوادر مشجعة من الصحوة للعمل، فإن &"إسرائيل&" تتحصن في واقعها الخيالي وتقيم لنفسها المزيد من جدران الفصل. يعتقدون في &"إسرائيل&" أن ما ينجح في &"إسرائيل&" سينجح أيضاً في العالم&"، مؤكداً أن الاعتماد على الدعاية وشرح الأكاذيب لن يفيد لأنه &"لا يوجد من يستطيع شرح استمرار الاحتلال. لا يوجد، لم يكن، ولن يكون&"!

فكيف لا يذهب نتنياهو للحرب؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف