تونس.. طوارئ أم حرب؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كمال بالهادي
لم ينتظر الباجي قائد السبسي كثيراً بعد عملية سوسة حتى صرّح بأنه لا بد أنّ يتخذ إجراءات قاسية ومؤلمة، لأن البلاد في حالة حرب. ففور وصوله إلى مكان الحادثة قال السبسي إنّ البلاد تواجه خطراً داهماً، وإن ذلك يستوجب أخذ القرارات المؤلمة.
لم تكن القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء في مساء اليوم الذي شهد تنفيذ عملية إرهابية، تحمل صفة القسوة والإيلام، لكن الخطوة المفاجئة التي أقدم عليها الرئيس التونسي، بالإعلان عن حالة الطوارئ، هي التي اعتبرها كثير من المراقبين أنها مؤلمة. فلماذا خيّر الباجي قائد السبسي العودة إلى حالة الطوارئ؟ وهل أن الظرف الذي تعيشه تونس يقتضي حقيقة إعلان حالة الطوارئ؟ وأي تداعيات لمثل هكذا قرار؟
ردود الأفعال كانت متباينة كما هو حال الشارع السياسي المنقسم ، الذي يندر أن نجده في حالة توافق، فبين مؤيد للقرار وهم في الأغلب الأحزاب المشكلة للحكومة الحالية وبين معارض لقرار العودة إلى حالة الطوارئ مثل الجبهة الشعبية والاتحاد العام التونسي للشغل الذي عبّر عن مفاجأته بهذا القرار. المؤيدون لإعلان حالة الطوارئ يقولون إن البلاد لم تعد تحتمل المزيد من الهزات الاجتماعية والأمنية، وهو ما يفرض وقفة حازمة، حتى تمرّ العاصفة. وهم يعتقدون أن الوقت صار أضيق من أن نمضيه في السجالات السياسية في وقت يزحف فيه الإرهاب نحو المدن، ويوجه ضربات قاصمة لعصب الاقتصاد التونسي وهو قطاع السياحة.
من هذه الزاوية يصبح من المعقول أن يتولى رئيس الجمهورية تقييم الحالة وإعلان ما يراه مناسباً للحفاظ على الأمن العام بالبلاد. وفي هذا السياق يمكن فهم دواعي الإسراع بإعلان حالة الطوارئ. فقانون حالة الطوارئ يعطي صلاحيات واسعة لأجهزة الدولة لمحاربة أي خطر داهم، حتى إن اقتضى الأمر تعطيل القوانين وحتى الدستور. وربما كان التباطؤ في المصادقة على قانون مكافحة الإرهاب، وقوانين أخرى تساهم في استعادة هيبة الدولة، هو الدافع لإعلان حالة الطوارئ، لأن الوضع لم يعد يحتمل الكثير من التراخي في هذه المسألة. وربما كان القرار الذي اعتبره البعض مفاجئاً، هو قطع طريق على بعض الجهات السياسية التي عملت، أو تعمل حتى الآن على تعطيل المصادقة على قانون مكافحة الإرهاب. ومن هذا المنطلق فإن الرئيس السبسي الذي شغل سابقاً منصب وزير للداخلية وللدفاع، في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، يدرك جيداً أن جهازي الأمن والجيش يحتاجان في هذه الفترة إلى أن تطلق أيدي عناصرهما لمحاربة الإرهاب، بطريقة أكثر نوعية. لكن هل ستسمح مدة الثلاثين يوماً بحسب ما يقتضيه قانون الطوارئ، أن تهزم فيها قوات الأمن والجيش في تونس العناصر الإرهابية وتقضي عليها من الجذور؟ وإن لم تكف مدة الشّهر، هل سيقع التمديد في حالة الطوارئ، وإلى أي مدى ستظل البلاد تحت قانون الطوارئ؟
الإجابة عن هذه الأسئلة، نجدها في خطابات المسؤولين أنفسهم، فهم يرددون دائماً أنّ الحرب على الإرهاب هي حرب طويلة الأمد، وهذا يعني أن رئيس الجمهورية سيمدد حالة الطوارئ، حتى تتم هزيمة الإرهاب، ولا أحد بإمكانه أن يتكهن بنهاية وشيكة لهذه الظاهرة. ومن هنا تأتي تخوفات شِقّ من المجتمع السياسي و المدني التونسي، الذي يرى أن إعلان حالة الطوارئ سيقود إلى تجميد الحياة السياسية وسيشكل تهديداً للمشروع الديمقراطي ولحرية التعبير في بلد لم يكسب من ثورته إلا حرية التعبير والديمقراطية.&
التخوفات مشروعة لأنّ البلاد التي تكون في حالة حرب، تقع فيها &"التضحية برفاهية الديمقراطية&". أحزاب المعارضة والعديد من الشخصيات الوطنية التونسية، عبّرت صراحة عن أنّ الحرب على الإرهاب، قد تتحول إلى حرب على الحريات والديمقراطية، وقد تجد الحكومة نفسها في مواجهة مأزق سياسي خطر، ينضاف إلى المأزق الاجتماعي والأمني والاقتصادي الذي تمر به البلاد.&
رئيس الجمهورية تعهد في خطاب إعلان حالة الطوارئ، أنّ المكاسب السياسية التي تحققت للتونسيين لا يمكن المساس بها مطلقاً، كما تعهد بأن مسألة الحريات لا رجعة عنها، لكن السؤال الذي يطرح هنا إلى أي مدى سيقع الالتزام بمثل هذه الوعود؟ الرافضون لقرار رئيس الجمهورية، يقولون إنّ القانون الذي اعتمده الباجي قائد السبسي هو قانون عام 1978، الذي صدر عقب الأزمة بين الحكومة و الاتحاد العام التونسي للشغل. وهم يقولون إن السبسي خصص الوقت الأكبر من خطاب يوم الجمعة الماضي للحديث عن الأزمة الاجتماعية وكثرة الإضرابات، ثم تحدث عن الأزمة الاقتصادية الناتجة عن تعطيل العمل، ثم لم يأت على ذكر الإرهاب إلا في آخر الخطاب، كأن الحرب هنا ستكون على النقابات، بحسب التفسيرات والتدوينات التي تظهر حسابات العديد من النقابيين والسياسيين. المتخوفون من قرار رئيس الجمهورية، يعتقدون أن هذا الإعلان لن تكون له تداعيات سياسية وأمنية فقط، بل ستكون له تداعيات اقتصادية أيضاً.
فإعلان حالة الطوارئ في أي بلد يُعدّ مؤشراً سلبياً عن الوضع الأمني، وهو يعتبر عنصراً طارداً للاستثمار. وتونس معنية بهذا الوضع، فوكالات التصنيف الدولية تعتبر تونس وجهة محفوفة بالمخاطر بالنسبة إلى المستثمرين رغم كلّ الإنجازات السياسية التي تم تحقيقها. وإعلان حالة الطوارئ قد يشكل انتكاسة جديدة تمنع تونس من الخروج من دائرة الشكّ والمخاطر التي تردت فيها منذ جانفي 2014. والرّئيس السبسي نفسه، أكّد في خطاب الجمعة الماضي أنّه تلقى وعوداً من بعض الشركاء بدفع الاستثمارات في تونس، لكنه فوجئ بأن مشاريع كبرى كان مقرراً أن تستوطن في تونس، انتقلت إلى دول مجاورة، بسبب غياب الأمن والاستقرار. ومن هنا فإن إعلان حالة الطوارئ قد تدفع إلى مزيد من الخسائر في مجال الاستثمار.
قرار إعلان حالة الطوارئ ليس أمراً هيّناً، بل هو خطر، يعكس حجم التهديدات والأزمات التي تعيشها تونس. وفي ظلّ &"خذلان&" جميع الأصدقاء لثورة الياسمين، كما تحدث عن ذلك السبسي، يصبح من المفروض على التونسيين الذين يرفعون كل صباح نشيد &"نموت نموت ويحيا الوطن&" أن يضحّوا من أجل إنقاذ بلادهم من دون انتظار المساعدة من أحد. وعليهم أن يخوضوا حربهم ضد الإرهاب وضد البطالة والفقر، بما أوتوا من أدوات ذاتية.