الارتفاع والسقوط
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
عاش عمر الشريف على السطح. مصري عن بُعد. أوروبي من الخارج. نجم كبير بلا جهد كبير. لا يطيق المسؤوليات ويهرب منها: الزواج. الإبداع الفني. العلاقة بالأرض. الصداقات العميقة. كانت وسامته كل شيء، ولم يبذل عليها أي جهد إضافي. ترك عمر الشريف الحظ يعمل له، وعنه. وتركه يختار له، وعنه، الأدوار. ولما تباطأ الحظ في السينما، حمله يجربه في المَقامِر والمياسر. ولم يعد يلتفت إلى كونه أحد أشهر نجوم العالم. وبدل أن يبقى في رفقة كبار المخرجين الذين جعلوا منه فتى الشاشة العالمي، اختار رفقة لاعبي البريدج ورواد المَقامِر. وفي القمار لم يخسر ماله فقط، بل خسر مكانته وسمعته. وصار يقبل أدوارا مسيئة لسمعته، وأحيانًا مسيئة إلى العرب. لكنه كان قد غرق، ولم يعد البلل مهمًا.
بعدما كبرت هزيمته أمام نفسه، قرر أن يعود وحيدًا إلى مصر مثل حصان هرِم. والرجل الذي اعتاد حياة الفنادق ورتابتها وعزلتها، ظل يعيش في فندق، بعيدًا عن مسؤوليات البيوت وروحها. اختار النزلَ، لا المنزل. ولكن مصر التي تركها شابًا لم تكن في انتظاره. ولم يعد بالنسبة إليها سوى اسم من الماضي، فقد بريقه وألقه. بدل أن يعود إلى وطن الحضانة، وجد نفسه في غربة ليس لديها ما تقدمه سوى الذكريات والترحُّم عليها. وحتى السينما، لم تعد تملك أدوارا أولى تعرضها عليه، فارتضى ما عُرض.
لكن الوسامة التي كانت تمثل عنه وله، كانت هي أيضا قد أصبحت في الماضي. فلا وسامة ساحرة إذن. ختم النجم حياته الفنية قبل الأوان بكثير. لم يستطع الاستمرار والانتقال إلى الأدوار اللائقة والمناسبة لمراحل العمر، كما فعل معظم رفاقه في أفلام هوليوود. كمثل كريستوفر بلامر، الذي لم يكن أهم أدواره في &"صوت الموسيقى&" بل في &"محطة القطار الأخيرة&" عندما أدّى شخصية تولستوي في النزاع الأخير. ذلك كان مهدًا يساوي نصف أفلام هوليوود في القرن الماضي.
عمر ترك رفاقه يتقدمون ليتهالك في حياة الميسر والفنادق. أنا أيضا كنت من الملايين الذين أُعجبوا به وذهبوا إلى السينما لمجرد ظهور اسمه على الفيلم. ولن أعتذر عن قول ما أعتقده حقيقة. وعندما تعرفت إليه، كان قد بدأ رحلة النزول. أو بالأحرى التمسك بحياة السطح. فلم يرفد الأضواء بأي سعي ثقافي، ولم يرتفع إلى مستوى شهرته بأي جهد عملي. وبقي عائمًا فوق طاولات البريدح، لا يبني صداقة أو عائلة أو علاقة فنية يذكر بها.
في غضون ذلك، كانت فاتن حمامة تصارع كل يوم من أجل الاحتفاظ بمرتبة سيدة الشاشة. من الطفولة إلى الغيبوبة، ظلت تُذكِّر الناس بأنها صنعة الجهد، لا وليدة الصدفة. رجل أعطي كل شيء ولم يبحث إلا عن الضياع، والخسارة.