توثيق مسيرة سعود الفيصل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
فهد عريشي
تجارب وخبرات سعود الفيصل -رحمه الله- من أغنى التجارب السياسية التي مرت على هذه البلاد، وحياته العملية مليئة بالفوائد والحكم لهذا الجيل وللأجيال المقبلة، فلذلك من الهدر ألا نحرص على تدوينها وتوثيقها
&
يحزنني جداً أن يرحل (سعود الفيصل) ولا يوجد كتاب يوثق تاريخه ومدرسته السياسية التي استمرت لأربعة عقود تخللتها الكثير من التجارب والأسرار والمواقف الصعبة والتحديات في إدارة السياسة الخارجية لأهم دولة نفطية في العالم وأهم دولة إسلامية وعربية.
سعود الفيصل من الرجال الملهمين الذين رحلوا قبل أن يدونوا مذكراتهم العملية، كان -رحمه الله- يسابق نفسه من أجل العمل على استقرار الوطن؛ يقضي جل وقته في السفر ما بين دول العالم من أجل أن نعيش في وطن آمن. أثناء سفراته الطويلة التي يستغرق بعضها أكثر من 14 ساعة تجده يدرس ملفا سياسيا أو يتابع قضية، ويكاد لا يجد الوقت الكافي لحياته العائلية؛ فكل أيامه تمضي في غرف الاجتماعات والمؤتمرات والاتفاقيات والزيارات الرسمية والسرية، ولذلك رحل دون أن يتمكن من تدوين كتاب ينقل لنا من خلاله مدرسته السياسية ليستفيد منها الجميع، وبالخصوص طلاب السياسة، والمعاهد الدبلوماسية، والمهتمين بالثقافة السياسية.
نريد كتاباً لسيرة سعود الفيصل على غرار "حياة في الإدارة" لغازي القصيبي -رحمه الله- الذي اختصر لنا تجاربه الإدارية في كتاب يعد من أهم المناهج والتجارب الإدارية، والذي قال في مقدمته: إنه حاول إقناع والده -سفير السعودية في البحرين سابقاً- أن يشتركا في كتابة مذكراته وهو الذي عاصر أحداثاً تستحق أن تسجل، إلا أن والده رفض بحجة أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يفشي الأسرار التي أؤتمن عليها، وأن المذكرات إذا خلت من الأسرار فلن تكون سوى سرد لأشياء يعرفها الناس، ولا مبرر للكتابة عنها، واحتراماً لوالده أبدى قناعته بوجهة نظره، رغم أن غازي القصيبي كان يرى أن "السر" له وقت وظروف محددة إذا ذهبت فإنه يفقد طبيعته السرية، وأن الأشياء التي يعرفها الجميع يمكن أن تروى من زاوية مختلفة وجديدة بحيث تشكل إضافة للمتلقي أو قارئ الكتاب، ولذلك عندما دنا غازي -رحمه الله- من الستين بدأ في تدوين مذكراته في حياته الإدارية ليصبح هذا الكتاب مرجعا مهما لكل إداري يريد أن يطور من نفسه ويستفيد من تجربة غازي العريقة في حياته الإدارية والشخصية التي سردها بالكامل منذ ولادته وحتى ختم كتابه قائلاً: "خدمت أبناء هذا الجيل، أما أبناء الأجيال القادمة الذين لن يتاح لي شرف رؤيتهم أو خدمتهم، فلا أستطيع أن أقدم لهم شيئاً سوى قصة هذه الخدمة"
أو كتابا مثل كتاب "هروبي إلى الحرية" والذي كتبه رئيس البوسنة والهرسك (علي عزت بيجوفيتش) ما بين عامي 1983-1988 من خلف قضبان السجن، ورغم منعه من الكلام إلا أنه استطاع أن يكتب خلسة من حراس السجن في ثلاثة عشر دفتراً صغيراً بخط دقيق وغير مقروء قصداً وبرموز لا يعرف معناها أحد غيره، لوجود بعض الدلالات التي تشكل خطراً عليه في حال لو تم اكتشاف أمر كتابته مثل "الدين، الإسلام، الشيوعية، الحرية، الديموقراطية، السلطة".
لم تكمن قيمة هذا الكتاب في الأفكار التي يحملها بل بالظروف التي كتبت فيها، فما بين هدوء جدران السجن وصخب الخارج الذي دمر حائط برلين وزلزل الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا استطاع الكاتب بذلك أن يراجع التجربة الفاشلة للحكومات الشيوعية في شرق أوروبا، وهكذا يصف الكاتب في مقدمة كتابه أن هروبه لم يكن واقعياً بجسده، بل كان هروباً عاطفياً وثقافياً جسدها في دفاتره الصغيرة وفي رسائله إلى أبنائه خارج السجن.
تجارب وخبرات سعود الفيصل -رحمه الله- من أغنى التجارب السياسية التي مرت على هذه البلاد، وحياته العملية مليئة بالفوائد والحكم لهذا الجيل وللأجيال المقبلة فلذلك من الهدر ألا نحرص على تدوينها وتوثيقها، ولا أعتقد أنه يستطيع فعل ذلك بجدارة أكثر من سعادة السفير أسامة نقلي الذي رافق سعود الفيصل لفترة طويلة. حتما تستطيع أن تخلد سيرة سعود الفيصل يرحمه الله، فلا تتردد في ذلك.
&