الاتفاق النووي وانعكاساته

علي العنزي

منذ انطلاق مفاوضات الملف النووي الإيراني بين إيران ومجموعة 5+1 الدولية، كانت المؤشرات تدل على أن هناك اندفاعاً أميركياً بمساندة أوروبية نحو تسوية هذا الملف بأي ثمن، وظهر هذا الأمر جلياً جداً بعد وصول الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض، فأظهر وخلال عرضه لاستراتيجيته خلال فترة رئاسته الأولى بأن الوصول إلى اتفاق مع إيران هو هدف رئيس، إذ أرسل رسالة إلى الشعب الإيراني بمناسبة عيد النيروز؛ ليكون أول رئيس يرسل تلك الرسالة، كذلك من الواضح اهتمامه بإنهاء الملف النووي، لا سيما بعد إعلانه عن توجه الولايات المتحدة للشرق؛ لمواجهة تزايد النفوذ الصيني، لذلك عدد من المراقبين والمتابعين للسياسة الأميركية خلال فترة أوباما لم يفاجأوا بالاتفاق النووي، الذي تم توقيعه بين إيران ومجموعة 5+1 الدولية، وهو ما يجعل قراءة متأنية لهذا الاتفاق، الذي يشكل منعطفاً تاريخياً في المنطقة أمراً حتمياً.

&

بالنسبة للموقف الأميركي فعبر عنه الرئيس باراك أوباما من خلال مؤتمره الصحافي الذي عقده بعد يوم من التوقيع، إذ أظهر دعماً قوياً للاتفاق، مهدداً باستخدام الفيتو في حال عرقل الكونغرس التصديق عليه، ومحذراً كذلك من أن العالم يخاطر بـ&"حرب أخرى في الشرق الأوسط&" من دون الاتفاق النووي مع إيران، ومتحدياً معارضي الاتفاق أن يقدموا بديلاً أفضل، وواصفاً الاتفاق الذي جرى التوصل إليه الثلثاء الماضي بأنه فرصة لا تتكرر في العمر؛ من أجل السعي إلى عالم أكثر أمناً، لذلك هذا الحماس والدفاع المستميت للرئيس الأميركي هو دليل على اهتمامه وسعيه الحثيث للوصول إلى الاتفاق بأي ثمن. وكرر الرئيس أنه ومن خلال الاتفاق تم منع إيران من أي إمكان لتطوير السلاح النووي، وأن الولايات المتحدة نجحت في حشد المجتمع الدولي؛ ليفرض عليها عقوبات هي الأكثر فعالية، وبسببها تم توجيه ضربة قوية إلى الاقتصاد الإيراني، أجبرهم على الجلوس على طاولة المفاوضات بعد التصعيد والتعنت، لكن القارئ بدقة لحديث الرئيس أوباما يرى أنه هو من يتودد للإيرانيين للوصول إلى هذه الصفقة، والدليل الأيام التي أمضاها فريقه المفاوض في فيينا. بالنسبة لفرنسا وألمانيا وبريطانيا، فيتبعون الموقف الأميركي في المفاوضات، فمنذ البداية لم يكن الدور البريطاني خفياً بتمهيد الطريق للمفاوضات، عبر اللقاءات السرية بين الطرف الإيراني والأميركي، التي تَكشَّفَت العام الماضي، وتمخض عنها هذه المفاوضات العلنية بين الطرفين، بعد أن كان الإيرانيون يرفضون الجلوس مع الأميركيين؛ معتبرينهم الشيطان الأكبر في المنطقة، لكن يبدو أن هذه الشعارات زائفة، وحلت محلها المصالح المشتركة بين الطرفين، التي تتركز في المنطقة العربية، لذلك نرى الانتهازية الفرنسية والألمانية وكذلك البريطانية، تَكشَّفَت بعد التوقيع مباشرة، إذ أعلن وزير الخارجية الفرنسية أنه سيزور طهران؛ ليكون أول وزير خارجية غربي يزورها، بعد أن كان متشدداً في المفاوضات، وكذلك أعلن وزير المالية الألماني زيارته لإيران، إضافة إلى الإعلان البريطاني بافتتاح سفارتها قبل نهاية العام الحالي في طهران، لذلك اتضح أن الدول الغربية الثلاث كانت تتبادل الأدوار مع أميركا لمصلحتهم جميعاً. الموقفان الروسي والصيني كانا واضحين من البداية، فالدولتان لديهما علاقات جيدة مع إيران، لكن ما يمنع تطوير هذه العلاقات اقتصادياً وعسكرياً العقوبات، فالصين يبلغ التبادل التجاري بينها وبين إيران 52 بليون دولار عام 2014، وهو ما يشكل 30 في المئة من جملة صادرات إيران الخارجية، بينما يبلغ حجم التبادل التجاري مع روسيا بليونين، وتطمح الدولتان إلى رفعه لـ10 بليونات، لذلك نرى الموقفين الروسي والصيني تدفعهما الرغبة بتطوير علاقاتهما التجارية مع إيران، والحصول على الطاقة بالنسبة إلى الصين بعد رفع الحصار إلى أرقام عالية، وهو ما ساعد إيران في المفاوضات، فالصين وروسيا لعبتا دوراً وسيطاً بين الغرب وإيران؛ أملاً بالحصول على جزء من الكعكة الإيرانية.

&

أما إيران، فقد نسيت كل الشعارات التي رفعتها والخطوط الحمراء التي رسمتها في مفاوضاتها، بأنها لن تسمح للمفتشين بزيارة الأماكن العسكرية والحساسة، وأنها لن تفرط بحقوق إيران النووية، أمام إغراء البليونات التي هي بأمس الحاجة لها، ولذلك تنازلت في العديد من القضايا؛ من أجل رفع العقوبات، وهو مؤشر على أن الصفقة بين الطرفين هي في غاية التعقيد، لذلك تنازل الطرفان في سبيل الوصول إلى أهدافهما في المنطقة العربية.

&

أما المواقف العربية فكانت متباينة، لكن الموقف السعودي كان واضحاً جداً، إذ عبّرت المملكة عن أنها مع الوصول لاتفاق، على أن يتم التحقق منه وتطبيقه بشكل صارم؛ من أجل استقرار المنطقة، وأن تستخدم إيران عوائد رفع العقوبات بتنمية شعبها، وليس في زعزعة استقرار المنطقة، بحثاً عن دور ومكاسب هنا وهناك، فالمملكة قدرها اليوم أنها هي التي تقود العرب في مواجهة الأطماع والهيمنة الإيرانية، لا سيما أنها واجهت مشروع إيران في اليمن، لذلك قلق المملكة مبرر من تبعات الاتفاق إن لم يتم الالتزام به، لا سيما أن تاريخ إيران معروف بالمماطلة، والمراوغة في السياسة الدولية، وكذلك معروف في التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، لذا لا بد أن يكون هناك موقف موحد خليجي عربي تجاه إيران، وألّا يكون هذا الاتفاق مبرِّراً لبناء الثقة مع إيران على حساب المصالح العربية.

&

أعتقد بأن الدول العربية عليها أن تقرأ انعكاسات الاتفاق على المنطقة، وأن تكون حذرة جداً من تهافت الدول الكبرى تجاه إيران بعد الاتفاق، وذلك من خلال لم الشمل وحلحلة وحل الخلافات والقضايا العربية، والمملكة ومصر هما من يستطيعان أن يلعبا دوراً في هذا المجال، فالدولتان لديهما التاريخ والقدرة على مواجهة ليس فقط الأطماع الإيرانية، بل الأطماع الدولية كذلك، وتوحيد مواقفهما كما حصل في اليمن، لتكون رسالة واضحة للجميع، لا سيما الجانب الإيراني.

&

عندما غزا الرئيس السابق جورج بوش الابن العراق واحتله، لم يسمع نصائح قادة السعودية، وأهدى العراق إلى إيران، وغادرها، واليوم نرى السيناريو يتكرر مع الرئيس أوباما، فهو بشغفه للوصول إلى الاتفاق النووي، يهدي إيران بليونات الدولارات، لتنفقها على تدخلاتها الإقليمية، والعبث بأمن المنطقة، معتقداً أنه من خلال هذا الاتفاق سيحتوي إيران وتكون عامل استقرار للمنطقة، لكنه نسي قراءة تاريخ الإيرانيين، والعراق واليمن وسورية ولبنان شواهد على ذلك.
&