جريدة الجرائد

أزمات المنطقة وإرهاصات التغيير

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عبد الوهاب بدرخان

الغارة الأميركية الأولى من نوعها، دفاعاً عن مجموعة سورية معارضة درّبها الأميركيون لمحاربة تنظيم &"داعش&"، قد تشجع أعداداً أكبر من المقاتلين للإقبال على برنامج التدريب، خلافاً للصورة الباهتة التي قدّمها وزير الدفاع الأميركي قبل بضعة أسابيع. ذاك أن الوضع الأولي الذي كان يحجب مثل هذه الحماية هو الذي دفع &"جبهة النصرة&"، المبايعة لتنظيم &"القاعدة&"، إلى استباحة &"مجموعة سوريا الجديدة&"، كما تسمّى، وخطف عدد من أفرادها، معتبرة أنهم خطرٌ عليها طالما أن أميركا المعادية لـ&"النُصرة&" قد تستخدم أولئك المقاتلين لمحاربتها في سياق محاربة &"داعش&". وفيما أثارت الغارة جدلاً استغلّته دمشق للتحذير أولاً من المسّ بسيادة سوريا وثانياً من القصف خارج مناطق &"داعش&" من دون التنسيق مع النظام، ردّت واشنطن للتذكير بأن المجموعة المدرّبة ليست معدّة لمقاتلة النظام، ثم زادت بأن طائراتها لن تضرب مواقع &"النصرة&"!

يصعب تصور وضع أكثر تعقيداً وتشابكاً، حتى أنه بالكاد يمكن رسم خريطة جغرافية له نظراً إلى تداخل مناطق سيطرة القوى المتصارعة. ولاشك أن الغارة الأميركية أوجدت واقعاً جديداً على الأرض، سواء للنظام أو للمعارضة غير المصنَّفة &"معتدلة&". وكان احتجاج النظام يبحث عن أي سبيل لإشراكه في الحرب على &"داعش&" وليس تحدّي الولايات المتحدة، كما أنه استثير بدخول تركيا تلك الحرب. أما خطف &"النصرة&" للمقاتلين فشكّل اختباراً اضطرّ واشنطن إلى حسم مسألة ترددت حيالها طويلاً الى أن بتّها الرئيس أوباما، ولم يكتف الأميركيون بالغارة الجوية بل زادوا بأن على النظام &"ألا يتدخل في العمليات&" التي تقوم بها القوات المدرّبة &"وإلّا فإن خطوات إضافية ستُتخذ&". وإذ لفت أن &"النصرة&" أقدمت على إخلاء بعض المناطق في ريف حلب الشرقي، فإن الخطوة فُسّرت بأنها تراجعٌ بعد الغارة الأميركية. أما دمشق ففضّلت عدم الاستمرار بالمجادلة في هذا التطوّر، ولكن وزير الخارجية الروسي قال إن التصريح علناً عن حماية مجموعات مسلّحة &"يؤتي نتائج عكسية&".

&

إن ما تقدّم يجب أن يُقرأ بما حصل ويحصل بموازاته، فالإقليم يتحرك خارج الجمود الذي سيطر عليه طوال الأعوام الماضية، ولاشك أن الاتفاق النووي كان العُقدة التي انحلّت وبثت حيوية عملية افتُقدت في الدبلوماسية الأميركية التي باتت أكثر إقبالاً على حلحلة القطيعة مع روسيا وعلى قبول مبادرات لطالما عرقلتها أو أحبطتها لئلا تنعكس سلباً على المفاوضات النووية ومسار الاتفاق المرتقب. وقد جاءت عملية &"عاصفة الحزم&" في اليمن في لحظة تأكُّد بلوغ الاتفاق نقطة النضوج والشروع في إنجازه ثم توقيعه. أي أن مفاعيل الاتفاق راحت تظهر تباعاً قبل التوصّل إليه، إذ كانت واشنطن تشدّدت في شروطها لخوض حرب تحرير المناطق العراقية من سطوة &"داعش&"، كما أن الدول الداعمة للمعارضة السورية وفّرت إمكانات غير مسبوقة لتمكين الفصائل المقاتلة من تغيير المعادلة الميدانية. وغداة توقيع الاتفاق كانت عدن قد حرّرت من سيطرة الحوثيين، وأمكن أخيراً إبرام اتفاق أميركي- تركي بشأن الحرب على الإرهاب، وأحيت أميركا شراكتها الاستراتيجية مع مصر... أي أن واشنطن أدركت وجوب البحث مجدّداً عن توازنات في المنطقة. وغداة الاتفاق أيضاً وجدت طهران نفسها في يوم آخر يتطلّب مراجعة السياسات التي اتّبعتها حتى الآن، وإذا كان هناك من تغيير إيراني مرتقب فإنه سيحصل ببطء ولكن طهران تعرف أنها لن تعود وحدها مَن يتحكّم بالوتيرة لأن الحراك الدولي بات مؤثراً وملموساً.

كل ذلك جعل البيئة الإقليمية مهيّأة لتشهد متغيّرات ستدفع معظم الأطراف إلى تليين شروطها سواء بالنسبة إلى حلٍ سياسيٍ في سوريا واليمن، ولذلك وجدنا أن الأميركي والروسي يحضران للاجتماع تباعاً مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون، وليشاورا ثلاثياً مع نظيرهما السعودي بشأن سوريا وكذلك اليمن. وهذه الإرهاصات باشرت عملياً إعادة الأطراف جميعاً إلى توضيح مواقفها والاعتراف بالحقائق المتعلقة بكلّ واحدة من الأزمات المعتملة في المنطقة. ولولا هذا المناخ الجديد لما ذهبت واشنطن إلى حدّ توجيه شبه إنذار إلى النظام السوري ولما توافقت مع موسكو على إثارة مسألة استخدام السلاح الكيماوي في سوريا. وفي المقابل نجد أيضاً أن طهران ودمشق استشعرتا ضرورة طرح مقاربة واقعية لحل سياسي كان مستبعداً لديهما لمصلحة حل عسكري لم يعد ممكناً بأي حال.
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف