جريدة الجرائد

موّال جامعتنا العربية

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

فواز العلمي

تتمادى جامعتنا اليوم في تسخير قوالب الموال العربي لترسيخ مبادئ الرفض وإبعاد مجتمعاتنا عن المحافل الدولية، ما أدى إلى انعزال شعوبنا وانكفائها وفقدان قوتها، وذلك بعد فشل 50% من دولنا في اللحاق بقطار العولمة

&


منذ أن هجت الجارية مواليا سيدها هارون الرشيد لبطشه بوزيره جعفر البرمكي، انتشرت أساليب الموال العربي بين شعوبنا وازدادت أنواعه وتعددت أبياته الشعرية وقوافيه الغنائية، ليتفوق الموال السداسي المصري بزخرفته اللفظية، ويتميز الموال السباعي العراقي بقوالبه التقليدية، وينبري الموال الشرقاوي الدمشقي بفنونه الكلامية.


وهكذا أصبح الموال العربي اليوم بكافة قوافيه الكلامية وجميع قوالبه اللفظية أعظم اختراع تنفرد به شعوبنا العربية، لنثبت للعالم أجمع قدراتنا الفائقة على مقارعتها بمعسول الأقوال وضعف الأفعال. وهذا ما شجع جامعتنا العربية على تبني الموال العربي وتطوير أحكامه وأصول استخداماته، ليتصدر قائمة جداول أعمالها بقواه الكلامية وقدراته اللفظية. من خلاله استباحت جامعتنا عقول 350 مليون مواطن عربي ممن فضلهم رب العالمين على غيرهم من شعوب الأرض بمهد الأديان، وأخرج من بينهم جميع أنبيائه ورسله، وكرمهم بخيرات الأرض التي فاقت قيمتها 34% من مجموع ثروات العالم، علما بأن مساحة الوطن العربي لا تزيد على 5% من مساحة المعمورة.


واليوم تحتفل جامعتنا بتوريثنا أمجاد 70 عاما من تاريخها الحافل بمآثر ومحاسن الموال العربي بعد تنظيمها 3788 اجتماعا وإصدارها 6534 قرارا، معظمها حبر على ورق، وكان أهمها قرار التوقيع على ميثاقها العظيم، الصادر بتاريخ 22 مارس 1945، الذي ما زال ينادي بضرورة تحرير أرضنا المغتصبة، وتوثيق أصر التعاون بين شعوبنا المبعثرة في المجالات كافة، فأصبح هذا الميثاق قافية من قوافي الموال العربي في صولاته الكلامية وجولاته اللفظية.


واليوم تتناسى جامعتنا خسارة عالمنا العربي الفادحة لأولى القبلتين، وتتجاهل تباعد فصائلنا عن إصلاح ذات البين، وتتغاضى عن تصارع طوائفنا وأحزابنا على تقسيم ما تبقى من فلسطين والسودان وسورية والعراق وليبيا ولبنان، ومع ذلك ازداد تشبث جامعتنا بقوافي الموال العربي لتصحو شعوبنا من غفوتها العميقة بعد سبعة عقود على سلب تركيا إقليم إسكندرون من مناطق بلاد الشام السياحية، وتنازل سورية عن هضبة الجولان كأهم مواقعها الاستراتيجية، وفقدان أمتنا لجبل طارق بن زياد كأفضل خطوط الملاحة في قريتنا الكونية، وكادت اليمن تلحق بركب خسائرنا لولا (حزم) عاصفتنا وعزم قائد مسيرتنا.


واليوم تترنح جامعتنا على وقع الموال العربي بعد فشلها عبر 70 عاما في تخفيض نسبة البطالة بين شعوبنا التي فاقت 33%، وتخفيض وتيرة الفقر في مجتمعاتنا التي تضاعفت 20 مرة، لتقفز نسبة الفقراء إلى 49% في اليمن والصومال، و46% في مصر وليبيا والسودان، و41% في العراق وسورية، و18% في المغرب العربي. ونظرا لاسترسالها في تجميل ألفاظ الموال العربي تخفق جامعتنا اليوم في الحد من التدفق الهائل غير المسبوق لمئات الألوف من اللاجئين العرب الهاربين من القهر والفقر والاستبداد. فلم تحظ هذه الظاهرة باجتماع واحد للجامعة؛ لمناقشة تداعياتها وإيجاد الحلول لها، بينما أثارت هذه الظاهرة العالم أجمع، وأجبرت دول الاتحاد الأوروبي على عقد عدة اجتماعات لتوحيد جهودها وتحديد مسؤولية مشاركتها في استيعاب اللاجئين.


واليوم تفشل جامعتنا في استخدام الموال العربي لتحذيرنا من خطورة انحدار مستوى التعليم والفكر والمعرفة في وطننا العربي، وتضاعف نسبة الأمراض والجهل بين شعوبنا، وتفشي الغش التجاري والتدليس والتعدي على حقوق الملكية الفكرية في أسواقنا، وزيادة وتيرة تعاطي المخدرات وانتشار الإرهاب والفساد بين أبنائنا، وهذا ما أدى إلى تضاعف همومنا، وأصبحنا من أقل شعوب الأرض سعادة، طبقا لمؤشر السعادة العالمي الصادر عن منظمة الأمم المتحدة في 5 مايو من العام الجاري، حيث جاءت تونس وفلسطين والعراق ومصر واليمن وسورية في ذيل المؤشر بين 148 دولة في قريتنا الكونية. واليوم تتمادى جامعتنا في تسخير قوالب الموال العربي لترسيخ مبادئ الرفض وإبعاد مجتمعاتنا عن المحافل الدولية؛ مما أدى إلى انعزال شعوبنا وانكفائها وفقدان قوتها، وذلك بعد فشل 50% من دولنا في اللحاق بقطار العولمة، وإخفاقهم في تنفيذ أهداف التكامل الاقتصادي المشترك وتطبيق مبادئ الوحدة الجمركية، واكتفت جامعتنا بطباعة نتائج اجتماعاتها الرامية لإنشاء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى في 32 وثيقة، فأخفقت في الحد من تراجع التجارة البينية بنسبة 13%، وأسهمت في انخفاض التجارة الخارجية بمقدار 30%.
واليوم تحتفل جامعتنا بقرب عيد ميلاد قوافي الموال العربي، المكونة فقط من 11 مجلسا ومركزا متخصصا، مقارنة بحوالي 84 مجلسا في الاتحاد الأوروبي، و56 في الوحدة الآسيوية، و26 في اتحاد دول جنوب أميركا، و18 في دول الوحدة الأفريقية، وهذا العدد الهزيل من قوافي جامعتنا أدى إلى تراجع قدرات شعوبنا الثقافية والفنية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية. ولعل موال المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة يعد من أهم قوافي فشل جامعتنا في الحد من رقعة التصحر والاستنزاف الجائر للموارد المائية، فانحسرت الأراضي الزراعية في الوطن العربي بنسبة 53%، وانتقل الوطن العربي من منتج للمحاصيل الزراعية إلى مستورد صاف لها؛ مما أدى إلى ارتفاع قيمة وارداته الزراعية إلى 53 مليار دولار سنويا، وتفاقم فجوته الغذائية بنسبة 50% في القمح، و45% في الذرة، و86% في الشعير، و35% في الأرز، و34% في اللحوم والألبان.


واليوم تعجز جامعتنا العربية بقوافي الموال الغنائية كافة وجميع أنواعه اللفظية وفنونه الكلامية في صد الشر الإيراني الرامي إلى إضرام فتيل الإرهاب في دولنا الخليجية، وإشعال نار الطائفية في منطقتنا العربية.
وتستمر جامعتنا في تطوير الموال العربي لتنتشي شعوبنا بقوافيه المتكررة وفنونه المعسولة.
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف