جريدة الجرائد

انهيار ثقافة الممانعة والكراهية للغرب

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

غسان الإمام

أستعير &"موسم الهجرة إلى الشمال&" من الروائي السوداني &"المهاجر&" الطيب صالح الذي سكن الـ&"بي بي سي&". اللندنية أعواما طويلة قبل أن يعود إلى الوطن تائبا مستغفرا، لأقف متمهلا ومتأملا موجة هجرة السوريين إلى الشمال التي هي أكثر من مجرد استقالة من الوطن.


هذه الهجرة أيضا تعبير شعبي عضوي عما أصفه بانهيار ثقافة الكراهية للغرب والعداء لأميركا التي أشاعها النظام الرئاسي العربي الوارث &"لأمجاد&" الناصرية، منذ أوائل سبعينات القرن الماضي.


العداء الشخصي المتبادل بين صدام حسين وحافظ الأسد، لم يكن حائلا دون تغذيتهما المشتركة لثقافة العداء والكراهية للغرب، للتمكين لنظامهما التسلطي من العيش والبقاء. والقضاء على أي تلمس اجتماعي عربي، لفكر إنساني تعددي وديمقراطي. ارتكب صدام غلطة الشاه الإيراني المخلوع، فظن أن غدره بالنظام الخليجي باحتلال الكويت، سيقنع أميركا بالانسحاب لصالحه من مياه الخليج.


أما حافظ الأسد فقد وصل تحت ظلال ثقافة العداء للغرب إلى الانكفاء عمليا عن مشروع البعث القومي الوحدوي، للتحالف مع نظام الملالي الشيعي، نظام خميني وخامنئي الذي استولد من شعار &"الموت لأميركا&" طاقة جديدة لتعميق ثقافة العداء للغرب، ونحت وتصنيع شعار &"الممانعة&".


وكان إحياء الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لمشروع أحمد الشقيري الكلامي بإلقاء اليهود في البحر، مدعاة للسخرية من سذاجة وزيف شعار &"الممانعة&" الذي سقط فجأة مع شعار &"الموت لأميركا&"، ببصم الملالي الاتفاق النووي معها بالأصابع العشر. ومشاركتهم في ذبح السوريين.


في تصفية صدام والأسد لقوى اليمين المحافظ واليسار الماركسي والاشتراكي في العراق وسوريا، فقد لجآ إلى نظرية &"التخوين&" لملاحقة المطالبين بالحرية والديمقراطية. وإدانتهم بالعمالة للغرب، أمام مجتمعات عربية غدا عقلها في آذانها، وهي تسمع وتردد ببغاوية شعارات المقاومة. والممانعة. والعداء الممل لأميركا والغرب.


الشعوب لا تستطيع أن تعيش على أوهام وشعارات. يفقد الوطن قيمته إذا لم يوفر طعاما. وسكنا. وعملا. ومساواة. وكرامة. كنت قد حذرت في التسعينات من الفساد. وسوء التخطيط والتنفيذ في منطقة الجزيرة (شمال شرقي سوريا) الخصبة التي كانت تطعم قمحا. وتصدر قطنا. وتنتج نفطا.


هاجرت أولا القبيلة العربية احتجاجا على الإهمال. فوجدت لدى أهلها وامتدادها العشيري في الخليج عملا وملجأ، تاركة الأرض للفلاحين والعمال. ومعظمهم من الأكراد الذين ما لبثوا هم أيضًا أن نزحوا إلى أحزمة البؤس حول المدن الكبرى، هربا من الفاقة. واللامبالاة. والإهمال. ثم تورط المتعصبون منهم في محاولة إيقاظ الذاكرة العنصرية للأسر الكردية المستعربة والمندمجة تماما في المجتمع العربي السوري. فاصطدموا مع النظام وعرب المدن الكبرى.


ارتكبت مجازر دموية لم تكن كافية لتنبيه الأسد الأب والابن. كان هم الأب المصاب بوهن الذهن والعقل (dementia)، الحفاظ على خيول الفارس الابن المدلل (باسل) الذي اعتبر &"شهيد&" السمر واللهو بالسيارة &"السبور&" إلى آخر الليل في شوارع دمشق.
تم استدعاء الابن الآخر، لتلقى بين يديه مفاتيح الدولة. والقرار، قبل أن يكمل دراسته. وتنضج أهليته. ويستكمل وعيه السياسي والاجتماعي. فألهته ثرثرته الإنشائية عن إدراك ومداراة التركيب المعقد للمجتمع السوري. وتفادي أزماته المهددة بالانفجار.


النظام الحاكم يجب أن يتحلى بحد أدنى من كبرياء الحكم، وفضيلة التعامل مع المواطنين الأبرياء المحتجين. بدلا من ذلك، تعامل النظام مع الاحتجاج الشعبي السلمي بالشر. والقتل. والتعذيب حتى الموت في سراديب الاعتقال. بات بشار في النهاية بحاجة إلى مرتزقة إيران وميليشياتها لارتكاب المجازر في سوريا، وهم منتشون بثقافة الأضرحة التي أنعشتها عدائية التدخل والاختراق.


وهكذا أصبح اللجوء المؤقت إلى الدول الشقيقة حلا للنازحين السوريين. ثم الاستقالة نهائيا من الوطن. والهجرة إلى الشمال (أوروبا) هربا من الموت والإبادة، لمجتمع مفكك في عراه الاجتماعية. ومحكوم بنظام جائر. بلا ثقافة. وبلا قيم إنسانية.


أتفرس في سحنة هؤلاء المهاجرين. فأجد فيها ملامح متنوعة. غريبة: كردية. تركمانية. باكستانية. بنغلاديشية. أفريقية. عربية... متهادنة حينا ومتناحرة أحيانا. الخطر في هذه الهجرة الجماعية الهائلة كونها نسيجا غير منسجم في ثقافته. ووعيه السياسي. ولا أظن أنه قادر على الاندماج والذوبان، في مجتمعات أكثر تنظيما. وانضباطا في سلوكها الاجتماعي. وهذه الهجرة معرضة غدا للاضطهاد والتهجير، إذا ما اندست في طياتها عناصر العنف الديني، مستغلة أميتها الدينية والسياسية.


في هذه الفوضى الديموغرافية، أسأل عن مصير وطن عربي يجري تفريغه. وتغريبه. بل أسأل عن مصير النظام الرأسمالي المزدهر في ألمانيا وأميركا. هل هو قادر حقا على صهر ملايين المهاجرين إليه في بوتقته الرأسمالية التي باتت عاجزة عن الدمج. وعسيرة الهضم. والاستيعاب. وتغييب الهويات والانتماءات؟
تقاعس أميركا أوباما الذي لم يدرك، في انهزامية ثقافته السياسية، أن فرصة انهيار ثقافة العداء والكراهية صالحة للتدخل المباشر، لترحيل نظام فاجر يمارس إبادة شعبه، ربما لتوطين جماعات شيعية متخلفة مستوردة من أفغانستان. وإيران. مع ميليشيات &"الحشد الشيعي&" العراقية بقيادة ضباطها الإيرانيين.


لم يدرس علماء الاجتماع. والتاريخ. والسياسة. والإثنية في أوروبا قضية الهجرة السورية الجماعية. أجد النظام الأوروبي معتبرا لها، قضية اندماج. واستيعاب. وانتزاع شعب من أرضه. وبيئته. وانتمائه. فغدت سوريا &"قضية تهجير&" تستوجب الشفقة والرحمة، أكثر من كونها &"قضية تحرير&" ولو بالقوة الدولية.


ثمة ميل مغرض في الإعلام الغربي، لاتهام الدولة الخليجية بعدم استيعاب الهجرة السورية الجماعية لديها. ربما كان تقديم مزيد من العون المادي للمهاجرين ضروريا. لكن يبدو أن النظام الخليجي متنبه لخطر انتزاع كتلة سكانية عربية من بيئتها السورية، لدمجها كعمال في أعمال يأنف العامل الأوروبي من أدائها.


مع فورة النفط وتعريب موارده، استوعب الخليج العربي، وما يزال، أجيالا متعاقبة من ملايين العمال والعاملين العرب الذين يتمتعون بحرية تحويل مدخراتهم إلى بلدانهم، للمساهمة في إعمارها ولمساعدة أسرهم. لكن هناك ضرورة لفهم خوف المجتمعات الخليجية الصغيرة عدديا، من خسارة انتمائها القومي وهويتها المحلية، في بحر متلاطم من ملايين العمال الآسيويين والأفارقة.


ليست هناك أرقام دقيقة لعدد العاملين العرب في الخليج. إنما هناك تقدير كيفي لعدد السوريين الذي يتراوح بين مليون ومليونين من المقيمين. وهم مرغوبون هناك لجديتهم في العمل، من دون تشكيل شلل تحتكر العمالة، كما تفعل &"ثقافة الشلة&" عند البعض من الجنسيات الأخرى. أما العاملون اللبنانيون فقد أساء إليهم استغلال &"حزب الله&" لبعضهم في أعمال تتنافى مع الأمن الخليجي.


مع سذاجة التعليق السياسي العربي، بترحيبه الإعلامي بالسخاء الأوروبي في استضافة المهاجرين السوريين، أستغرب جمود وحيرة علماء السياسة. والاجتماع. والتاريخ العرب، إزاء هذه الاستقالة السورية الجماعية من الوطن. وظاهرة انهيار ثقافة الكراهية والممانعة. لا بد من تحرك أكاديمي علمي وفكري، لدراسة واستيعاب ما يحدث، لتنبيه النظام العربي، إلى خطر تهجير العرب، وإحلال أقوام بديلة لهم في المشرق العربي. وإسقاط الحدود، لإقامة أنظمة أعجمية. أو مذهبية غريبة عن الانتماء العربي. لعل نظام الاستقلال العربي يدرك، في أزماته الراهنة، أن المصير واحد ومشترك. لا فرق بين بلد ينعم بالثروة والاستقرار. وبلد يشقى بالموت والدمار.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ودونا لامريكا نتداوى
مندهش -

حكى لي صديق عراقي نكتة عن نفاق صدام ونظامه وتقول النكته: قام صدام بزيارة مزارع الحنطة وقت الحصاد واراد ان يشارك الفلاحين واخذ المنجل وبدأ بالحصاد مع الفلاحين الذين كانوا يهتفون لصدام اهزوجة(صدام حسين اسمك هز امريكا) وهنا دخلت شوكة في اصبع صدام وتاوه من الالم فردد الفلاحين اهزوجه ثانية (ودونا لامريكا نتداوى) اي ارسلونا الى امريكا للعلاج. النظام العراقي غسل عقول شعبه وهو كان يتواطأ مع الامريكان عندما يحتاجهم وكان ال سي اي اي يجهز صدام بمعلومات السيتيلايت لمواقع القوات الايرانية في حرب الخليج ولم يبرر النظام العراقي لشعبه لماذا يتعامل هو مع الاستعمار ويمنع الشعب من حتى زيارة امريكا ولماذا قدم صدام لامريكا وبعثة الامم المتحدة معلومات عن الاسلحة الكيمياويةوقال انها من اعمال حسين كامل الذي كان هاربا في الاردن ويمنع الشعب من التحدث الى اي اجنبي!!!!!قمة النفاق

إذا ظهر السبب بطل العجب
سرجون البابلي -

متى كان العرب يعون مايفعلون وما يقولون ، مجرد فوضى تحركهم فلا تخطيط ولا سياسة ، همهم الوحيد كيف يفرهدون بعضهم البعض ، وقطع الرقاب شيمتهم .

Transient occupation
Salman Haj -

May be, just maybe the peninsular Arab occupation of the Mesopotamia, greater Syria, Egypt and North Africa was transient. It had already receded long ago from Persia, India, Central Asia, and Spain. It is Allah''s will . The Gary of the raiding Arabs lasted only about four centuries, followed by Mongol and Turkic tribes who converted to Islam to facilitate ruling Arabs. ... .. The British and French colonialists were a breath of fresh air. They were saviors. . ... Arab Muslims rejected them .. . . And descended into a night,are of no end. .. Look at India and Pakistan, a Hindu and Muslim both ruled by British colonists for couple centuries.. India retained judicial, educational, political, and some aspects of British culture.. It has been a rising nation since the British left.. ... ... Pakistan rejected and discarded every thing British, and imposed Arab. Untrue and Shari''a , and like Arabs it has been sliding downward fast. Faster just like Arabs.. regards

ثقافة الكراهية للغرب
اساسها إسلامي قرآني -

عبدالناصر صدام و حافظ الأسد لم يكونوا هم الذين اسسوا ثقافة الكراهية ضد الغرب بل هؤلاء الزعماء الشعوبيين هم ركبوا هذه الموجة المنتشرة أساسا بين المسلمين البسطاء و مستند على و مستمدة من القرأن و النصوص الاسلامية الاخرى التي تحفل بعشرات الايات التي تحث على كراهية و قتال الكفار و من التراث و التاريخ الاسلامي الذي يمكن اختصاره بإعتباره يتركز على فكرة معاداة الكفار و و سلسلة حروب ضد كل من ليس مسلما و العامل الاخر الذي ساعد في ترسيخ الكراهية للغرب هما الشيوعيون و الملالي و رحال الدين، صدام و حافظ الأسد بدلا من يقنعوا شعوبهم بخطأ هذه مشاعر الكراهية الدينية هذه هم دغدغوا مشاعر الغوغاء هده الحاقدة على و الكارهة للغرب المتأصلة داخل الفرد المسلم البسيط العادي و عملوا على إنماءها بعد ان شهدت خفوتا في زمن الملكية في مصر و العراق ، هذا الميل لملوك العراق و مصر للغرب هو الذي اسقط تلك العوائل المالكة في نظر الغوغاء و الناس المسلمين البسطاء ولمعرفة عبدالناصر و صدام بهذه الحقيقة زايدوا على الغوغاء في معاداة أمريكا و الغرب و راهنوا على هذه السياسة الحمقاء لتعطيهم الشرعية في نظر شعوبهم ، المفروض بالقائد ان يكون قدوة لشعبة و يتميز برجاحة الرأي و ان يقنع شعبه بوجهة نظره لا ان يدع الغوغاءهم الذين يقودونه

الشرقيون إلى جهنم جميعاً
فاتح المدرس -

الغرب أصدق من الشرق. الشرقيون إلى جهنم جميعاً

الأرث الأسلأمي الفتاك
الأشورية -

ولماذا لم تنهار ثقافة الكراهية (لأتباع محمد المهاجرين لبلدان الكفرة ) ؟؟ أي هؤلأء الذين فروا بجلوهم لبلدان الصليبيين الكفار يستنجدونهم ,وصلوا ك (شحاتين ومتسولين يدقون أبواب الكفار لطلب اللقمة ووالهروب من حكامهم وشيوخهم وتعاليمهم الفاسدة والمفسدة ) لكنهم بعد أن عرفوا ونالوا حقوقهم الأنسانية والحرية والشبع أنقلبوا راجعين لأصولهم الأصلية الدموية ,والتحقوا بأخوتهم ذو الأيمان الأسلامي المشترك (داعش وأخواتها ) أي مئات الأف من الشباب المسلم المهاجر صار من التكفيرين والمتطرفين الذين يبغضون ويكرهون (الحجر والبشر والتأريخ والحضارة) الغير أسلأمي أو الغير مسلم ذاته ونفسه مثلهم للشيطان القتال الدموي ,كانوا البعض منهم قد ولدوا في الغرب .والبعض الأخر كان طفلأ صغيرا أثناء هجرته لبلدان الصليبيين الكفرة ,ونما وترعرع هناك ,ولكن ثقافة (تعاليمه اللأدمية واللأنسانية الدينية الأسلأمية والتأريخية) كانت متجذرة في جيناتهم وأعماقهم وضمائرهم(هذا لو كان لهم أصلأ ضمير) ,وها العراق وسوريا ووو تشهد على هؤلأء القتلى الأرهابيين على سلوكهم وأفعالهم وتصرفاتهم البربرية الهمجية البشعة ,وهذا هو الأثبات الأعظم على بطلأن وزييف التعاليم والثقافة الأسلأمية التي كان يفتخر بها المسلمين جميعا.