بين الرافعة والموتورين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مساعد العصيمي
في زمن الأزمات، إن كانت حروبا أو كوارث أو كسادا أو سوء علاقات سياسية بين بلد وآخر، يتكاثر المنظرون من أولئك الذين يعتقدون أنهم أصحاب الرأي والخبرة مما يزيد الأمور تعقيدا، فعبر تشابكات الأحداث من حرب استرجاع الشرعية في اليمن، وجهاد الشعب السوري ضد النظام الظالم، ناهيك عن الأزمة البترولية الدائرة، حظينا بخطابات متناثرة، كل منها يعتقد صاحبه أنه المرجع للأحداث؛ لذا ظل العرب يدورون في دوامة لا نهاية لها، لأنهم لم يستطيعوا التعود على الانتظار حتى ظهور الحقيقة.
المصيبة الأكبر أن يكون التنظير صادرا من مراكز إعلامية، كما هي بعض القنوات الفضائية الشهيرة أو الصحف ذات الاسم الكبير في بلدانها، حينما تستعين بمحللين تافهين من عديمي الخبرة لقراءة الأحداث والتعليق عليها، من أولئك الذين يبحثون عن الظهور والكيد ولو على حساب الحقيقة، وعلى سبيل المثال، فخلال الأزمة البترولية ظهر أحدهم وهو لا ينتمي إلى البترول ولا الاقتصاد ولا السياسة، ليؤكد أن البترول سيهبط إلى ما دون العشرين دولارا، ولا نعلم على أي شيء بنى توقعه، ولن نخوض في الحديث عن اليمن والتنظيرات الكبيرة التي انطلقت مع عاصفة الصحراء، وكيف أن تضاريس اليمن لن توجد منتصرا أبدا، والأيام الجارية كشفت من المنتصر ومن الذي ينشد الاستسلام، ليتأكد سوء علمهم وعدم فهمهم.
ما علينا من هذا كله وما يهمنا، هو ما دار حول سقوط الرافعة العملاقة في الحرم المكي، وكيف أن مثل هذا الخبر لقي أصداء كبيرة في العالم أجمع، بحيث لم تخل قناة في كل قارة إلا وتطرقت إليه، وفيما خص العرب والفرس في هذا الشأن ابحث عن التنظير والادعاءات، بكائيات وإحصائيات وقراءات مختلفة جدا، وهلم كذبا وادعاء، المهم الخوض في الأمر من جوانب انتقامية حتى لو كان الضحايا من الملبين القادمين إلى مكة المكرمة لأجل التقرب إلى الله والعبادة.
كومة كبيرة من اللقاءات والأخبار الكاذبة والملفقة التي حضرت عربيا وفارسيا، ولشدة ما أدهشني تنظير أحدهم وهو يتوقع أن تنهار البنية التحتية ويتزايد عدد الضحايا، ويبدو أن المدعو وهو يجلس على كرسي التحليل الإخباري لم يخبره أحد أن السبب عاصفة جوية أسقطت رافعة ضخمة، ولا علاقة للأمر بالبنية التحتية، وهنا لن نتحدث عن الآلة الإعلامية الهابطة التي تستغل الأحداث والمصائب بفجاجة المنتقم الفرح بالوقائع الصادرة من الأحوال الجوية أو حتى أخطاء البشر، ليوظفها لأجل معتقده السياسي وحتى لعدائه للبلد أو الأشخاص، لكن ما لا نتمناه شدة التسرع بالحكم على الأمور قبل أن تتضح، وبكل أسف إن مثل ذلك يصدر من قنوات يعتقد كثيرون أنها مصدر الأخبار في بلدانها.
ختام القول، إن قناة "سي إن إن" ضربت المنظرين المتسرعين من العرب والفرس في مقتل، وهي في اليوم الثاني من أحداث سقوط الرافعة استعانت بخبير فلكي شرح بكل دقة كيف أن منطقة تتعرض لالتقاء تيارين بارد وساخن بالحجم الكبير الذي كانا عليه في مكة، جديرين بأن يحدثا أعاصير شديدة لا تقذف بالبشر فقط، بل بالحديد وما تماسك من الحجر، لكن يبدو أن كثيرين لا يعقلون، وليتهم انتظروا قليلا إلى ما بعد تقرير القناة الأميركية، كي لا تنهار مصداقيتهم كما حدث لرواياتهم الكاذبة.