الخليج والتفاعل مع العجوزات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
شملان يوسف العيسى
ذكرنا في مقال سابق أن دول الخليج العربية تواجه اليوم عجوزات مالية كبيرة بسبب انخفاض أسعار النفط بنسبة وصلت إلى 50 في المائة، وأن مواجهة العجز تتطلب اتخاذ قرارات غير شعبية في وقت تمر فيه المنطقة بظروف إقليمية ودولية حرجة.
الآن بدأنا نرى تباين سياسات دول الخليج الاقتصادية في التعامل مع العجوزات القادمة، ففي السعودية اتخذ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قرارات جريئة وحازمة تصب في اتجاه فتح الاقتصاد للمستثمرين الأجانب، إذ أعلن جملة قرارات منها إلغاء نظام الوكيل المحلي، وهو نظام قديم وعقيم موجود في دول الخليج منذ اكتشاف النفط تم وضعه لاستفادة شريحة معينة من التجار على حساب الاقتصاد بشكل عام.. هذا القرار الجريء سيؤدي إلى زيادة الاستثمارات في السعودية ودخول منافسين جدد مما سيؤدي إلى خفض الأسعار وخلق وظائف جديدة للشباب بعيدًا عن الحكومة.
أما دولة الإمارات العربية المتحدة فقد تم إلغاء الدعم عن وقود السيارات والاستعداد لفرض نظام الضرائب في بداية العام القادم حسب توصيات صندوق النقد الدولي.. الإمارات كذلك تسير في اتجاه المزيد من الانفتاح الاقتصادي وتشجيع الاستثمار الأجنبي.
أما دولة قطر فقد اتخذت قرارًا تاريخيًا بإلغاء نظام الكفيل بالنسبة للعمالة الأجنبية العاملة في قطر مما يحسن صورتها أمام منظمات حقوق الإنسان العالمية ويشجع المزيد من الاستثمارات فيها..
أما الكويت، فهناك توجهات حكومية لفرض الضرائب على الشركات الخاصة بنسبة تصل إلى 20 في المائة، وهنالك أحاديث كثيرة عن احتمال إعادة النظر في سياسات الدعم الحكومية والعمل على زيادة الرسوم على الوافدين، بالإضافة إلى العمل على خفض المصاريف الحكومية (ترشيد الإنفاق الحكومي).
الخطوات الخليجية جاءت بعد صدور عدة دراسات عالمية منها دراسات البنك الدولي وصندوق النقد وخبراء اقتصاديين عالميين منهم &"غولدمان ساكس&" التي توقعت انخفاض أسعار النفط إلى عشرين دولارًا في الفترة القادمة.
السؤال الآن: هل الإجراءات الخليجية الداعية للتقشف كافية وتقي بلدان الخليج من الأزمات الاقتصادية القادمة؟ لقد عودتنا دول الخليج الريعية على عدم الجدية في اتخاذ أي قرارات للإصلاح الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل وتخفيف الاعتماد المفرط على العمالة الأجنبية إبان فترة الازدهار الاقتصادي وتوفر السيولة النقدية.. فنحن نتكلم عن الإصلاح الاقتصادي في أيام الطفرة المالية ولكننا كحكومات نتصرف تصرفات غير مسؤولة وكأن الوفرة تستمر إلى الأبد.. والآن عندما سقط الفأس بالرأس بدأ الجميع يفكرون بأسلوب ردود الفعل بدلاً من التفكير العقلاني المنظم.
ما يزيد مخاوفنا فعلاً هو ازدياد الإنفاق العسكري على التسلح بمبالغ تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات في فترة حرجة نحاول أن نحد فيها من الإنفاق والمحافظة على السيولة استعدادًا لأسوأ الاحتمالات.. نأمل في الختام أن تتخذ دول الخليج سياسات وبرامج متكاملة للتعامل مع الانخفاض الكبير في أسعار النفط والمتغيرات الاقتصادية في العالم.. ونتمنى أن تكون هذه البرامج مدروسة ولها طابع الاستمرارية والبقاء لضمان مستقبل أفضل من دون الاعتماد المفرط على النفط والإنفاق الحكومي والابتعاد عن الدولة الريعية.