بوتين - قاديروف ... ثنائيّ صاعق فوق بارود شيشاني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
&
&جورج عيسى
&
ليس أمراً سهلاً أن يحصر المرء مشاكل الروس مع منطقة #الشيشان ببعض المحطّات. تلك الجمهوريّة التي تشكّل جزءاً من الاتحاد الروسي والتي تقع في شمال شرق منطقة #القوقاز، رَسم قسم من أبنائها حاضراً دمويّاً في تاريخ #روسيا الحديث. هذا التاريخ الذي شهد حربين ضروسين منذ انهيار #الاتحاد_السوفياتي، زاخر بعلاقات متناقضة تجمع الروس بالهرم الشيشاني. ذاك التناقض الكامن في علاقتهم المزدوجة مع رأس الهرم وقاعدته.
ثمة اقتناع سائد في الغرب أنّ حرب روسيا الثانية ضدّ الشيشان في 30 أيلول 1999 هي التي أتت بـ #فلاديمير_بوتين الى الرئاسة. صحيفة "وورلد أفّيرز جورنال" تشير الى أنّ بوتين كان يعتبر الضعف الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السببَ الذي أدّى الى تردّي الاوضاع في الجمهوريّة القوقازيّة بعدما فشل الرئيس الاسبق #بوريس_يلتسن في حربه الاولى ضدّها. وتتابع الصحيفة نفسها أنّ بوتين استغلّ أحداث الحادي عشر من ايلول ليعتبر الانفصاليين الشيشانيين جزءاً من الارهاب الدولي ويصعّد حملاته ضدّها.
&
&
وفي العام 2002 أعلن بوتين انتهاء الحرب الشيشانية الثانية حيث تلاه في السنة التالية استفتاء أعطى الجمهوريّة مزيداً من الاستقلالية مع بقائها ضمن الحدود الروسيّة وعيّن فيها حليفه #أحمد_قاديروف رئيساً لها قبل أن يغتال في العام 2005، ليخلفه ابنه رمضان لاحقاً على بعد سنتين من إعلان بوتين رسميّاً انتهاء العمليّات العسكريّة سنة 2009. وتذكر الصحيفة عينها أنّه على رغم ذلك، شهدت تلك السنة مقتل جنود روس في #الشيشان أكثر من عدد قتلى الجنود الاميركيّين في #العراق. كذلك، قتل أكثر من 500 شخص عام 2013 في هجمات متفرّقة طاولت مختلف دول القوقاز حيث نالت الشيشان 10 في المئة كنصيب من هذا العدد الهائل من الضحايا.
وتضمّ العاصمة غروزني ما يعتقد أنّه أضخم مسجد في أوروبا تمّ تمويله من الموازنة الروسيّة العامّة. وأعيد إعمار هذه العاصمة المدمّرة وشيّدت فيها ناطحات سحاب عملاقة على طريقة تلك الموجودة في #دبي بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانيّة. لكن بخلاف بعض الازدهار العمراني الذي تنعّمت به المنطقة، بقي التوتّر الامنيّ سائداً بين مجموعات من المقاتلين الشيشانيّين والدولة الروسيّة.
يقول أندرو فوكسول مدير مركز الدراسات الروسيّة في مؤسسة هنري جاكسون البريطانيّة ل"وورلد أفيرز جورنال" أنّ "بوتين قد يترك انطباعاً بأنّه رجل قويّ للغاية، لكنّ الواقع هو أنّه لا يسيطر ولم يسيطر على كلّ #روسيا". ويتابع:"بوتين أتى استناداً الى الى حروب ناجحة صغيرة لكنّ الدرس من #الشيشان واضح:هكذا حروب ليست صغيرة على الاطلاق وهي قلّما تنتهي بحسب تخطيط مطلقيها".
وتؤكّد هيئة الاذاعة البريطانيّة "بي بي.سي " هذا الكلام بالاشارة الى أنّ جهاديّين من تنظيمي "#القاعدة" و"#الدولة_الاسلاميّة" ما زالوا ناشطين في تلك المنطقة هذه السنة. الحليف الأوفى للرئيس بوتين كما تسمّيه "الغارديان" رمضان قاديروف أطلق على أحد شوراع العاصمة #غروزني إسم بوتين. وأعلن أمام جنوده عن استعداده للدفاع عن روسيا بوجه الحصار الاقتصادي الغربي، منهياً بالدعاء الى الله بطول عمر الرئيس الروسي ومختتماً خطابه بصيحة التكبير على حدّ تعبير الصحيفة نفسها. لكنّ بناء الجيش الشيشاني لم يخلُ من علامات الاستفهام حول الاموال الكبيرة التي صرفت عليه وانتهاكات حقوق الانسان التي يرتكبها بحسب منظّمات عالميّة معنيّة بهذه القضايا.
وعلى رغم كلّ تلك المظاهر، يخبر مصدر روسي مطّلع على شؤون الكرملين الصحيفة نفسها بأن لا أحد في موسكو يحبّ قاديروف لأنّ المؤسسات الرسميّة تعاني الفوضى داخل الشيشان. وتشير الى أنّ مقتل المعارض الروسي #بوريس_نمستوف واتجاه التحقيقات الى ادانة احد المقرّبين من قاديروف قد يظهر انقساماً حقيقيّاً في أجهزة المخابرات الروسيّة بين قسم يريد الاطاحة به وآخر يرى ضرورة وجوده للافادة التي يقدّمها بخصوص المعلومات عن الشيشانيّين الذين يذهبون للقتال في #سوريا، حتى ولو أصبح مؤخّراً في الشؤون الداخلية "غير مسيطر عليه".
أبو عمر الشيشاني
غير أنّ المشكلة تعود فتطفو على سطح التعقيدات الروسيّة-الشيشانيّة لجهة المتطرّفين الذين يغادرون الى سوريا والخوف من عودتهم الى موطنهم الأصلي وشنّ العمليّات الارهابيّة... أبو عمر الشيشاني يعدّ أحد النماذج الجليّة:
تارخان باتيراشفيلي ولد في أحد أودية بانكيسي التي تضمّ أقلّيّة إثنيّة شيشانيّة في #جورجيا تبيّن أنّه أحد أبرز قادة "#داعش". واعترف مسؤول سابق في وزارة الدفاع الجورجيّة أنّه كان جنديّاً في صفوف الجيش الجورجي وتلقّى مساعدات أميركيّة في ذلك الحين. وأضاف أنّ السبب الوحيد لعدم ذهابه للقتال الى جانب الاميركيّين في #العراق كان حاجة جورجيا الى مهاراته إبّان الازمة الروسيّة-الجورجيّة حول #جنوب_أوسيتيا . وشكّل باتيراشفيلي مؤخّراً مصدر جذب لعدد من المقاتلين من مختلف مناطق القوقاز للانضمام الى #"الدولة_الاسلاميّة". وهو الذي قاد عمليّة إسقاط مطار #منغ العسكري بحسب ما قاله لموقع "ماك كلاتشي" الاميركيّة مايكل سيساير المختص في شؤون التطرّف داخل معهد أبحاث السياسات الخارجيّة التابع لجامعة فيلاديلفيا.
يقول أحد رفاقه السابقين في الجيش أنّه كان جنديّاً جورجيّاً لامعاً وبارعاً لكنّه لم يظهر أيّ ميل جهاديّ على رغم محاربته سابقاً للروس، لأنّ إثنيّته كانت تعتنق المذهب الصوفيّ المعتدل تماماً كما كان الشيشانيّون قبل الحرب الاولى مع #موسكو. ويقدّر الجورجيّون والاميركيّون أعداد الذين رحلوا من وادي #بانكيسي الى #سوريا بحوالي 200 مقاتل. واستطاع باتيراشفيلي أو "#أبو_ عمر_الشيشاني" أن يضرب الجيش الروسي في اوسيتيا الجنوبيّة سنة 2008 ويجرح قائد الفرقة 58 وبذلك أصيب لأوّل مرّة أعلى ضابط في الجيش الروسي منذ الحرب العالمية الثانية، قبل أن يسيطر الروس على الوضع بعد بضعة أيّام. أقيل من منصبه في الجيش بسبب إصابته بمرض السل(او لحماية عائلته بحسب مصادر أخرى) وأدخل الى السجن لحيازته اسلحة غير شرعيّة عام 2010 قبل أن يتحوّل الى التديّن ثمّ التطرّف داخل زنزانته وبعد موت والدته بسبب السرطان. وفي سنة 2012 ذهب الى تركيا ومنها الى الاراضي السوريّة.
موقع "برايتبارت" الالكتروني يشير إلى أنّ الشيشانيّين الروس أصبحوا أكبر رافد لمقاتلي تنظيم "#الدولة_الاسلاميّة" في سوريا. من جهة أخرى أعلنت هيئة الامن الروسيّة وجود أكثر من 2400 مقاتل روسي في تلك البلاد، وهذا يعني أنّ غالبيّتهم من الشيشانيّين. ومشكلة هذه الفئة بالنسبة للروس أنّها الاكثر تدريباً وخبرة في قيادة المجموعات القتاليّة في سوريا. ف"راديو أوروبّا الحرّة" يعدّد "أجناد القوقاز" و"جند الشام" و"جماعة ترخان" كتنظيمات قتاليّة يترأسها شيشانيّون، حيث تتمركز في مناطق قريبة من الساحل السوري &- مركز انتشار القوّات الروسيّة.
والمشكلة الاكبر على ما يبدو، في ضبابيّة الموقف الروسي تجاه الحليف المفترض رئيس الشيشان رمضان قاديروف. فحكمه الفاسد سيمنع الشيشانيّين من الانجرار نحو التطرّف، والبديل عنه إن وجد، سيحتاج الى سنوات طويلة للعمل على ايجاد رابط قويّ بين الشعب الشيشاني و#الكرملين، هذا الرابط نفسه الذي لا يعدّ حتى اللحظة متيناً بما فيه الكفاية، لتجنّب كأس المتطرّفين أكان في عقر الديار الروسيّة ... أم في الحديقة الخلفيّة السوريّة.