جريدة الجرائد

كيف نواجه قانون جاستا؟

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالرحمن الطريري&

المشرعون الأمريكيون اتخذوا قانونا يبيح للولايات المتحدة مقاضاة أي بلد تتهمه بدعم الإرهاب، وجعلوا من أحداث الحادي عشر من سبتمبر أساسا لهذا القانون، بحيث تتقدم الأسر الأمريكية بمقاضاة السعودية في المحاكم الأمريكية والمطالبة بتعويضات عما طالها من أضرار نتيجة تفجير مركز التجارة العالمي.

&التسلسل الذي سار عليه طرح القانون وتناوله أخذ مسارات عدة، منها الرسمي، وغير الرسمي، حيث طرح الموضوع ونوقش، وتم الكشف عن التقرير السري الذي يبرئ المملكة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن الغريب في الأمر إصرار أعضاء المجلس على الموضوع، واتخاذ قانون ما يعرف بقانون جاستا الذي اعترض عليه أوباما، لكن الكونجرس بمجلسيه نقض اعتراض أوباما على القانون وبنسب عالية، رغم أن أوباما بإمكانه اتخاذ قرار غير قابل للنقض، إضافة إلى تصريح رئيسة مجلس النواب الديمقراطية بأن أوباما لم يضغط على أعضاء المجلس ليصوتوا ضد القانون، كما أن 27 عضوا برلمانيا أبدوا أسفهم على التصويت لمصلحة القانون، ما يعني أننا أمام مسرحية سياسية أمريكية بامتياز شارك في إعدادها، وتنفيذها المشرعون، والتنفيذيون، ووسائل الإعلام التي لا تألوا جهدا في إثارة الموضوع، والنفخ فيه، وإثارة الرأي العام وتأليبه.

&

القانون أصبح قابلا للتنفيذ، وما يقال عن إمكانية تأجيله عن طريق وزارة العدل، أو وزارة الخارجية كلام عام قد لا يصمد أمام الأطماع الأمريكية، سواء على مستوى الأفراد، أو الحكومة، والمؤسسات الرسمية، والشركات التي تستميت في نهب ثروات الآخرين.

&لماذا صدر القانون وفي هذا التوقيت؟ القانون صدر قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية وبغض النظر من الفائز بها سواء ترامب أو كلينتون لا فرق بينهما حين يكون الأمر متعلقا بتحقيق مكاسب لهم، ذلك أن الرئيس الأمريكي ليس من يتخذ القرار، كما هو سائد في عالمنا العربي، فصناعة القرار تمر بسلسلة من الإجراءات يتم تسريعها، أو إبطاؤها، حسب الظروف، وما تقتضيه المصلحة المراد تحقيقها.

ذكرت في مقال سابق، قبل عدة أشهر، عندما حرك الموضوع، وبدأ الحديث عنه، أن الأمر لا يعدو أن يكون تجهيزا للملف ليتسلمه الرئيس الجديد، ويسعى في تنفيذه، لا ليحسب الأمر عليه وحده، بل ليضيع الدم بين الإدارة السابقة، والإدارة الجديدة، أو كما نقول ليتفرق الدم بين القبائل. الأموال السعودية الضخمة المستثمرة، والمودعة في أمريكا يسيل لها لعاب المشرع، والمنفذ، وأصحاب رؤوس الأموال، وتجار السلاح، وكل واحد، إذ لا مكان للقيم في مجتمع تحركه النفعية.

&مع الوضع الاقتصادي المتردي لم تعد أمريكا ذلك الوطن المزدهر اقتصاديا، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية خسارتها مكانتها، وهيمنتها العالمية، ولذا لا بد من مصدر تمويل يمكنها من الاحتفاظ بعناصر القوة، والنفوذ، والتأثير التي تتمتع بها منذ الحرب العالمية.

&من الأسباب التي تغري الآخرين بنا ثقافتنا الموجهة لتصرفاتنا، وطريقة تعاملنا مع الطرف الآخر، فما يلاحظه الآخرون من بذخ وإسراف، وتباه في أمور شكلية، ليس لها قيمة حضارية في نجاح وتطور الأمم، كما يحدث من استعراض بسيارات فخمة، غالية الثمن، وفي مدنهم، ما يثير حفيظتهم نحونا، ويولد مشاعر كراهية، ونظرة دونية لما يلاحظونه من عدم احترام للنعمة، وعدم المحافظة على المال، وقد سمعت مثل هذا النقد لتصرفات بعضنا من شرائح اجتماعية عدة من طلاب جامعات، ومن أساتذة، بل من عمال محطات البنزين، والبقالات، وغيرهم، أما تعاملنا وفق مبدأ الثقة المفرطة، فهذا عامل جوهري، إذ إننا نطمّع الآخرين فينا، والمملكة لديها استثمارات ضخمة جدا في الولايات المتحدة، وبإمكانها تطبيق ما جاء في مثلنا العربي "لا تضع بيضك في سلة واحدة"، فهي قاعدة استثمار جميلة متاح استخدامها ضد "جاستا"، إضافة إلى أدوات أخرى متوافرة للمملكة.

&كيف نواجه قانون جاستا؟ تشخيص المرء لذاته، أول خطوة في مواجهة أي أزمة، ومن بينها قانون جاستا الذي يهدد ثرواتنا، وما من شك أن مراجعة طريقة صناعة قراراتنا على المستوى الوطني تمثل خطوة جوهرية، يضاف لها الثقة بذواتنا، وعدم الخضوع للإرجاف الذي قد تمارسه أمريكا، وإعلامها، كما أن التنبه للطابور الخامس الذي يعيش بيننا يعد أمرا أساسيا لدعم موقفنا، لأنه حرض الآخرين علينا، وساندهم في ادعاءاتهم، بل إنه مهد لهذه الادعاءات. لا يمكن مواجهة القانون بالمهادنة، وشركات العلاقات العامة، أو المحامين، كل هؤلاء مع حكومتهم "شلة" ابتزاز واحدة، ولذا فبناء القوة الذاتية في الجوانب كافة هو السبيل لحماية الوطن، والمقدسات، والثروات، مع الاستفادة من إمكانات الأمة.

&تتوافر لدينا إجراءات قضائية رادعة، أو قرارات مالية واقتصادية ضد هذا القانون، ومن المعروف أن أمريكا قضت على الهنود الحمر، وأبادت الفيتناميين، وقتلت ملايين المسلمين في العراق وأفغانستان، وسورية، وتأذت الفلبين وأمريكا الجنوبية منها، فهل نستعيد ثقتنا ونحمي أنفسنا، أم نستمر ونعيش على المهدئات ووعودهم الكاذبة؟

&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف