قصة مسكن من 16 مترًا: مطبخ في الممر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
ولد فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين لأب بسيط من الطبقة العمّالية وأم أشدّ بساطةً. كان الأبوان قد فقدا ولدين قبل إطلالته في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 1952 في لينينغراد، التي شهدت أعظم معارك الاستقلال السوفياتية، وأسوأ حروب هتلر الهمجية خارج بلاده. مليون قتيل على الأقل فيما سمّي «الحرب الوطنية الكبرى». وقد عاش الأب والأم في شقة من مبنى تعاوني تبلغ مساحتها 16.7 متر مربع. كان المطبخ مشتركًا في المبنى المؤلف من خمسة طوابق، والحمام مشتركًا أيضًا، والممر بلا نوافذ. وضمت فيه طباخة غاز واحدة. عندما رزقت فلاديمير وهي في الحادية والأربعين من العمر، اعتبرت ماريا بوتين أن أعجوبة قد حدثت لها. وراحت تضاعف أعمالها في تنظيف المباني وغسل المختبرات الطبية وتوزيع الخبز، وجميعها أعمال تمنحها الوقت الكافي للاهتمام بالطفل الجديد. كان فلاديمير الطفل الوحيد في المبنى التعاوني، ولذلك، حظي برعاية جميع العائلات في الشقق المجاورة. ومنها عائلة يهودية حرص على زيارتها في القدس عندما قام بأول زيارة لإسرائيل.
كان المبنى التعاوني رمزًا من رموز الفقر والعَوَز في المدينة الخارجة من سنوات الحصار والموت. وفي ذلك العالم البائس، عاش فلاديمير سنواته الأولى، دون أن يذهب إلى روضة الأطفال، بسبب حرص ماريا عليه. وعندما يُرزق بابنة فيما بعد، تقترح زوجته لودميلا أسماء كثيرة لها، لكنه لا يتزحزح: «سوف تحمل اسم أمي، ماريا». وتحدث في مذكراته عن تلك السنين، فقال إنه كان طفلاً شقيًا. ومع أنه لم يعش سنوات الحصار النازي فقد سمع الكثير عنها. وقرأ باكرًا رواية «الدرع والسيف» التي سحرت شباب ذلك الجيل وملأتهم بالروح الوطنية وحب الانتقام. وحلم بوتين بتقليد بطل الرواية المقدم ألكسندر بيلوف، ضابط الاستخبارات، الذي يخترق صفوف النازيين ويتحول إلى ضابط في جيش الصاعقة. ويقرر أنه لا يريد أن يكون شيئًا آخر، لكن عندما يذهب للتطوع في الجهاز، يُقال له إن المؤسسة لا تقبل المتطوعين، وإنما هي من تبحث عن رجالها في أوساط الجامعات وبين ضباط الجيش. إلا أن شيئًا لن يثني بوتين عن حلمه، فانضم إلى كلية الحقوق يدرس القانون باعتباره طريقًا إلى الكي جي بي. بدأت أحلامه عام 1968 وسط الاضطرابات التي حملت اسم ربيع براغ. وكانت له على ما يبدو أذواق قريبة من الأشياء الغربية الشائعة في تلك الأيام مثل أغاني البيتلز، التي سوف يصفها فيما بعد بـ«أنها منعشة مثل نسيم عليل». وعزف بدوره الأكورديون والغيتار الذي أهداه إليه والده. وعندما ربحت أمه ورقة يانصيب بقيمة 3500 روبل، أعطته المبلغ كاملاً، فاشترى به سيارة صغيرة تقلّه إلى الجامعة أمام إعجاب الطالبات وحسد الطلاب. فالسيارة الخاصة في الاتحاد السوفياتي كانت يومها حلمًا لا يحققه كثيرون. إلى جانب دروسه، مارس الألعاب الرياضية على الدوام، وعمل في أشغال كثيرة خلال العطل، بينها قطع الأخشاب في جمهورية جورجيا. ومرة تسلل مع رفاق له إلى باخرة مبحرة إلى ميناء أوديسا على البحر الأسود، وظل مختبئًا في قارب للنجاة طوال يومين.
إلى اللقاء..