عون في بعبدا غير في الرابية فهل يضبط باسيل ويخرج من «التفاهمات»؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد شقير
بدأت الكتل النيابية تتصرف على أن انتخاب رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في الدورة النيابية الثانية لانتخاب الرئيس الإثنين المقبل، في 31 الجاري بات محتوماً إلا إذا حصلت مفاجأة ليست في الحسبان ولا علاقة للبرلمان بها، مع أن مثل هذا الرهان ليس في محله بما فيه احتمال تطيير النصاب في جلسة الاقتراع الثانية الذي لم يلق حتى الساعة أي تجاوب من الكتل النيابية، بما فيها تلك المناوئة لوصول عون إلى سدة الرئاسة الأولى.
وعلمت «الحياة» من مصادر نيابية أنه جرى التداول وبعيداً من الأضواء في احتمال تطيير النصاب في دورة الانتخاب الثانية من خلال مبادرة عدد من النواب إلى الانسحاب منها قبل انعقادها، بشكل يتعذر معه تأمين حضور ثلثي أعضاء البرلمان كشرط لانتخاب الرئيس بنصف عدد النواب زائد واحداً، أي 65 نائباً.
وكشفت المصادر النيابية أن فكرة تطيير النصاب في دورة الانتخاب الثانية طرحها همساً حزب «الكتائب» في مشاوراته التي يجريها مع عدد من رؤساء الكتل النيابية، بذريعة أنها تفتح الباب أمام مزيد من التواصل، لعله يُنتج توافقاً على الرئيس العتيد، وقالت إن الكتل التي شملتها هذه المشاورات، لم تبد حماسة، لأنها لا تريد أن تقحم نفسها في مواجهة محلية وخارجية، وبالتالي تتحمل مسؤولية تمديد الشغور في رئاسة الجمهورية.
ولفتت المصادر نفسها إلى أن انتخاب الرئيس ينهي الشغور الرئاسي الذي استمر نحو عامين ونصف العام، ويضع البلاد أمام مرحلة سياسية جديدة، تبدأ بقبول استقالة حكومة «المصلحة الوطنية» برئاسة الرئيس تمام سلام، تمهيداً لقيام الرئيس المنتخب باستشارات نيابية ملزمة لتسمية الرئيس الذي سيكلف تشكيل الحكومة الجديدة، والذي يباشر مشاوراته مع الكتل النيابية كممر إجباري لتأليفها.
تكليف وتشكيل
واعتبرت المصادر عينها أن الاستشارات النيابية الملزمة ستؤدي إلى تكليف زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري بتشكيل أولى حكومات العهد الجديد، نظراً لغياب أي منافس له، وقالت إن العماد عون يتطلع فور انتخابه إلى إحداث صدمة سياسية تتجاوز تكليف الحريري إلى الإسراع بتشكيل الحكومة، لأن هناك ضرورة لضرب الحديد وهو حام، وإن أي تأخير سيفتح الباب على مصراعيه لإقحام العهد في مسلسل تبادل الشروط والشروط المضادة.
وبكلام آخر رأت المصادر أن إنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية، مع أهميته كخطوة على طريق إعادة الانتظام إلى المؤسسات الدستورية، لا يكفي ما لم يقترن بتذليل الاعتراضات التي ظهرت إلى العلن، وأولها من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لما له من دور في أن يكون واحداً من أبرز المكونات السياسية في المعادلة الداخلية.
بري يحمّل باسيل المسؤولية
وتستبعد المصادر النيابية أن تؤدي الجهود التي تسبق جلسة انتخاب الرئيس إلى ثني الرئيس بري عن قراره عدم التصويت لعون، وهذا ما صارح به الأخير في اللقاء الذي جمعهما في عين التينة في أعقاب إعلان الحريري دعم ترشيح عون للرئاسة، حيث كاد يغلب على اللقاء الطابع البروتوكولي، باعتبار أنه لم يبدل من موقف رئيس البرلمان.
وقالت إن لقاء بري- عون اتسم بالبرودة، وإن الأول غمز من قناة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل على خلفية أنه كان وراء تعطيل الحوار في عين التينة وإقحام الحكومة في شلل دائم، مع أن الحوار هذا كان بمثابة خريطة طريق لتسهيل انتخاب الرئيس وتعبيد الطريق أمام مرحلة ما بعد انتخابه.
وفُهم من موقف بري أن باسيل هو المسؤول عن حرق المراحل وقطع الطريق على إمكان بلورة موقف يمكن أن يكون جامعاً ويدفع في اتجاه التوافق على الرئيس، لكنه في الوقت ذاته عاتب على حليفه الحريري الذي لم يتشاور معه طوال الاتصالات التي أجراها مع قيادة «التيار الوطني»، وإن كان صارحه في الماضي بأن الوضع في البلد لم يعد يحتمل، وأنه على وشك أن يحسم خياره في إعادة دعم ترشح عون للرئاسة.
وفي هذا السياق، سألت المصادر ما إذا كان بري قد أقفل الباب أمام التعاون مع الحريري فور تكليفه برئاسة الحكومة، وأن لا عودة عن قراره هذا الذي نقله إلى الحريري معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل، وفيه أنه لن يسميه رئيساً للحكومة، ولن يشارك فيها ولن يمنحها ثقته، أم أن هناك فرصة للتشاور فور انتخاب عون، خصوصاً أن زعيم «المستقبل» حريص على التعاون معه كحرصه على تعاونه مع رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط. ونقلت المصادر هذه عن الحريري قوله إنه ليس من الذين يعقدون ثنائية مع هذا الطرف أو ذاك، لأن البلد يمر في ظروف دقيقة وصعبة تتطلب من الجميع تقديم التنازلات كأساس لإنقاذه، وهذا لن يتحقق إلا بتوسيع الشراكة في الحكومة على قاعدة التمسك باتفاق الطائف وبالتالي ليس من الذين ينقلبون عليه، وإلا يكون يناقض نفسه أولاً وثوابته ثانياً.
تفاهم عناوين
وأكدت المصادر أن اتفاق عون- الحريري ليس أبعد من التفاهم على مجموعة من العناوين الرئيسة التي يفترض أن تشكل الإطار الذي سيشارك فيه الجميع من أجل إنقاذ البلد، وقالت إن الحريري بدعمه ترشح عون للرئاسة قدم تنازلات، وهو يعرف ذلك، لأن لا بديل من استعادة مشروع الدولة ومنع انهيار المؤسسات إلا بإنهاء الشغور كمفتاح للالتفات إلى إيجاد حلول للمشكلات العالقة.
ونقلت المصادر عن أكثر من قيادي في «المستقبل» قولهم إن الحريري ليس بعيداً من المزاج الشعبي لشارعه، ويدرك جيداً أنه سيكون أمام مهمة استيعابه، لأن قراره لا يلقى التجاوب الشعبي المطلوب لكن يجب التمييز بين رد فعل شارعه وبين من يزايد عليه من خارج كتلته النيابية ويبني حسابات يعتقد أنها ستخدمه في المستقبل.
وقالت إن الحريري بدعمه ترشح عون أعاد تحريك الملف الرئاسي من جهة، وحشر «حزب الله» من جهة ثانية، لأن تأييده حليفه لا يكفي ما لم يسهل ولادة الحكومة العتيدة.
وأشارت إلى أن الحريري لا يركن فقط لوعود عون في اتجاه حليفه بل سيبادر إلى الانفتاح على بري لأنه أساسي في المعادلة السياسية، وسيحاول تذليل اعتراضه، لأن وجوده في التركيبة الوزارية ضروري ولن يغامر بعلاقته معه، لا سيما أن أي تشكيلة وزارية من دونه لن تكون قابلة للحياة، فكيف إذا اقتصر الحضور الشيعي فيها على «حزب الله» الذي سيُفقدها التواصل عربياً ودولياً.
وأكدت المصادر أن المجتمع الدولي ودولاً عربية عدة ستبني موقفها من الحكومة استناداً إلى أمرين: الأول يتعلق بتمثيل «حزب الله» والحجم الوزاري الوازن فيها، والثاني يعود إلى بيانها الوزاري، وما إذا كان يغطي الحزب في كل ما يقوم به خارجياً، وقالت إن الحريري وبري وجنبلاط في حاجةٍ بعضهم إلى بعض في الحكومة، لأن الأخيرين يؤمنان له الحضور المتوازن.
لذلك، وإن كانت الكتل النيابية تترقب المسار العام للتواصل بين الحريري من جهة وبين بري وجنبلاط من جهة أخرى، والذي تأمل منه المصادر أن ينتج تفاهماً قبل تكليف الحريري رئاسة الحكومة، وإذا تأخر فلا مانع من إنجازه بالتلازم مع تشكيل الحكومة وإنما بأقصى سرعة ممكنة، وإلا فإن العهد الجديد سيواجه انتكاسة لا يتوقعها رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي يبدي تفاؤله بتكليف سريع وبحكومة أسرع.
إلا أن المسؤولية لا تقع على عاتق الحريري وحده في تبديد ما يساور بري من هواجس بصرف النظر عن تضامن «حزب الله» معه، وإنما أيضاً على كاهل الفريق السياسي للرئيس المنتخب في ضوء ارتفاع منسوب الشكاوى من باسيل ومن خلاله من وزراء «تكتل التغيير» الذين كانوا على «اشتباك سياسي» مع رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي على رغم أن حكومته شكلت من لون سياسي واحد وهم الآن في اشتباك مع الرئيس تمام سلام.
فالفريق السياسي إياه لم يقدم النموذج الذي يدعو الآخرين للارتياح إلى تجربته في السلطة، خصوصاً مع ممثلي السنّة، إضافة إلى بري وجنبلاط، وأن استحضاره خطاباً سياسياً معتدلاً يأتي من وجهة نظر معظم الأطراف في سياق رغبته في تلميع صورة عون وتقديمه أوراق اعتماده كمرشح توافقي لرئاسة الجمهورية.
ناهيك عن أن عون كان أبرم ورقة تفاهم مع «حزب الله» ومن ثم توصل إلى «إعلان النيات» مع «القوات»، فهل سيبقى عليهما رغم كل ما فيهما من تناقض يجمع بين الضدين تحت سقف «التيار الوطني»، وبالتالي يلتفت الى عقد تفاهمات أخرى لا ندري -كما تقول المصادر النيابية- مع من ستكون هذه المرة، أم أنه سيعيد النظر في تموضعه السياسي وبالتالي ينتقل من تحالفه الاستراتيجي مع «حزب الله» إلى منتصف الطريق ليلاقي الحريري الذي أقدم على مخاطرة سياسية تتطلب من الرئيس العتيد الحفاظ عليها وعدم التفريط فيها.
كما أن المسؤولية في هذا المجال تقع بالدرجة الأولى على الوزير باسيل الذي سيشرف على المطبخ السياسي للرئيس المنتخب، فهل سيقدم نفسه من موقعه الجديد على أنه شخص آخر غير الشخص الذي لا يرتاح إليه أكثر من فريق، كما هو حاصل الآن، ويتعاملون معه على أنه الأقدر على التواصل بعيداً من تصفية الحسابات التي بات في غنى عنها الآن.