أكشاك الصحف في الحمرا مهددة بالاختفاء...صراع بين هوية المكان و"القانون"!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أسرار شبارو
أحد المعالم التراثية لشارع "#الحمرا" مهدّد بالانهيار والاختفاء، إذا ما تم تنفيذ القرار البلدي بإلزام أصحاب "الأكشاك" دفع الرسوم البلدية والغرامات. عبق الصحف والمجلات والكتب التي امتزجت لسنوات بأرصفة الشارع العريق قد تتناثر مع الريح. ومن تبقى من روّاد لهذه الأمكنة سيحرمون من "صديق" اعتادوا زيارته عند كل صباح لشراء حاجتهم وتتبع الأخبار.
ذاكرة " الحمرا" الثقافية قد تصاب "بالألزهايمر"، ولحينه لا يصدّق أصحاب "الاكشاك" أن المطلوب منهم دفع الملايين أو إن البديل سيكون اقتلاعهم من جذورهم وعودتهم الى منازلهم بعد أن تكون "أعناقنا قطعت، وعلاقتنا بزبائننا مزقت، وانتهى الحلم بكابوس. اذ رغم مواجهة كل التحديات في الماضي، الا أننا سنستسلم اليوم إذا استمرت البلدية على قرارها، وطلبت منا دفع ما لا طاقة لنا به، فكيف لمواطن فقير يوميته لا تزيد على عشرين ألف ليرة أن يكلف برسم بلدي يصل الى نحو خمسة ملايين لكون التكليف يكون على اساس المتر البيعي في المنطقة"، كلمات قالها بحرقة نعيم صالح الذي بدأ بيع الصحف وهو في الثامنة من عمره، يتنقل على أرصفة "شارع التناقضات الذي جمع كل الطوائف والمذاهب اللبنانية وجميع الجنسيات، قبل أن تطاله الحرب الأهلية التي لا تزال شظاياها تترك أثراً لم تمحوه السنوات".
أخبار ذات صلة
من "الكونكورد" الى الحمرا الحزينة..."كنتُ في...
شريط الذكريات
يتذكر نعيم الذي يجلس على كرسي أمام كشكه أمام واجهة مبنى "سينما الحمرا" كيف كان يضع الصحف والمجلات والكتب على الرصيف في ستينات القرن الماضي "حينها كنت أساعد والدي في عمله، قبل ان اذهب الى المدرسة، كبرت ورثت عنه مهتنه، وكل المصاعب التي واجهها، اذ مرات عدة حصلت محاولات لمنعنا من اكمال عملنا، ورغم حصولنا في العام 1969 على رخصة إلا ان جمعية تجار الحمرا تمكنت من تجميدها، حتى فرج الامر في العام 1992، حصلنا على رخصة من البلدية على ان تكون الرسوم رمزية. في السنة الاولى دفعنا 90 الف ليرة، لنتفاجأ في العام التالي ان المطلوب اربعة ملايين ومئة وخمسون الف ليرة. وبعد وساطات قام بها النقيب البعلبكي ورؤساء تحرير أغلب الصحف جُدّدت الرّخص لنا وبات كل محافظ يأتي يجدده بشكل تلقائي من دون بت السعر الرسمي للرسوم".
قطع شريان الوريد
على رغم الضربات المتتالية التي أوجعت بائعي الصحف، لا سيما مع تطور الوسائل التكنولوجية وبروز المواقع الاخبارية الالكترونية وسيطرتها على الساحة الاعلامية إلا ان "هذه الضربة قد تكون قاضية، فقد اعتدنا البيع القليل لكن ان ندفع الكثير هنا الإشكالية. ما علينا الا التسليم بان الجلوس في المنزل بات أرحم من تمضية ساعات على الطريق من دون مردود يذكر، ولا أنكر ان الأمر كقطع شريان الوريد، فحرماننا من زبائننا الذين باتوا كالأوكسيجين نتنشقه يومياً، نتبادل ومعظمهم أطراف الحديث قبل ان يحملوا صحيفتهم ويتوجهوا الى المقهى لقراءتها ومتابعة التحليلات السياسية وآخر الاخبار".
صاحب كشك آخر رفض ذكر اسمه، تحدث بصوت ممزوج بالانين من وجع سنين تدهورت خلالها أوضاعه المالية بعدما تراجعت نسبة مبيع الصحف، وقال: " تم تبليغنا أن البلدية ستقوم باعادة تكليفنا بمبلغ يصل الى ستة ملايين ليرة، او علينا ازالة الاكشاك خلال مهلة خمسة عشر يوماً. وهم إما ناسون او يتناسون بأننا تاريخ هذا الشارع، فوالدي ابتدأ بيع الصحف هنا في العام 1966، واكبنا كل العصور والحروب والجيوش، اي كنا شاهدين على ما حصل في الحمرا، لكن، ويا للأسف، هم يريدون اليوم ان يقتلعوا قطعة من تراث بيروت".
القانون يطبق على الجميع
لكن القانون يجب ان يسري على جميع المواطنين، وفق وجهة نظر محافظ بيروت زياد شبيب والتي تتطابق مع مضمون شكوى البلدية، فـ"بعدما وردت شكوى من المؤسسات التجارية والسياحية في شارع الحمرا وتفرعاته الى المحافظ، تتعلق بمجموعة الأكشاك القائمة في الشارع، تحركت دائرة السير في بلدية بيروت، وكشفت على هذه الأماكن وحددت مواقعها، مواصفاتها، المساحات التي تشغلها، وهوية الشاغلين، تمهيداً للقيام بالاجراء القانوني المناسب".
كما أن في تعليل المدافعين عن القرار البلدي انه "في القانون تعتبر الأرصفة أماكن عامة والملك العام مكان مباح استعماله بحسب الوجهة المعد لها لجميع المواطنين بالمساواة، يعني ألا يسمح لأحد أن يشغل مساحة من هذه الأملاك العامة دون غيره، الا اذا كان حاصلاً على ترخيص، وقد تبيّن أن هذه الأكشاك غير حاصلة عليه، اذاً وجودها غير قانوني، وإشغال الملك العام بصورة غير قانونية يترتب عليه رسم إشغال إضافة إلى غرامة قانونية بحسب نص قانون الرسوم والعلاوات البلدية الرقم 60 سنة 1988".
وعلمت "النهار" انه "بعد التثبت من واقعة الإشغال سيتم توجيه انذار للشاغلين بوجوب التقدم بطلبات ترخيص، حيث سيتم درسها وفقاً للقانون لرؤية إن كان بالامكان الترخيص لهم في هذه الأماكن ومواصفات الإشغال وشروطه ووجهة الاستعمال ومساحته. هذا الأمر سيكون لاحقاً، أما اليوم فسيتم تكليفهم بالرسومات والغرامات عن مدة الاشغال الحاصلة من دون ترخيص".
بين رافض وطالب للتحسين
ردود فعل زوار الشارع العريق على قرار البلدية القديم الجديد تراوح بين الرفض وطلب التحسين. يوسف ابي شاكر الذي اشترى صحيفته على السريع لفت لـ"النهار" الى ان "هذه الاكواخ الصغيرة تسهّل علينا الكثير، فبدلاً من أن نقصد المكتبة لشراء الصحف يومياً، على طريقنا نبتاعها سريعاً"، مضيفاً "منذ خمسينات القرن الماضي اعتدت قصد الكشك ذاته، فمن تراثنا وجود الصحف على الأرصفة".
في حين علّق المحامي احمد شعيب الذي كان يحتسي قهوته في أحد المقاهي على الموضوع، قائلاً: "الاكشاك مرخصة منذ ايام مدير عام وزارة الداخلية المرحوم سامي شعيب، ومع ذلك المفروض بأصحابها تحسينها كي تتناسب مع اهمية هذا الشارع، فهي مظهر ثقافي وإعلامي"، في حين اعتبرت حنان " أن وجود الاكشاك لا يزعج المارة بل على العكس فقد باتت جزءاً لا يتجزأ من هذه الأرصفة".