من الموصل إلى حلب.. تجديد مشروع التقسيم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد السعيد إدريس
تفتح معركة تحرير مدينة الموصل عاصمة محافظة نينوى العراقية من الاحتلال الداعشى الأبواب على مصراعيها للبحث ليس فقط فى مستقبل الموصل بعد تحريرها فى ظل التعقيد الشديد الذى أحاط بترتيبات معركة التحرير والأطراف التى ستشارك فيها بل أيضاً للبحث فى مستقبل العراق ومعها أيضاً مستقبل سوريا بسبب التداخل الشديد بين ما يحدث من صراع فى العراق وامتداداته القوية فى سوريا، وبالذات مسألتان أساسيتان؛ أولاهما، فرص خروج تنظيم «داعش» الإرهابى من عاصمته فى الموصل إلى سوريا وبالتحديد إلى مدينة الرقة أهم مراكزه فى الشمال السوري، حيث توجد معلومات تؤكد أن أعداداً كبيرة من ميليشيات «داعش» هربت بمعداتها إلى الداخل السورى تحت أعين الأمريكيين، وهذا بدوره يفرض سؤالاً مهماً حول ما يخطط له الأمريكيون بالنسبة للصراع فى سوريا، وهذا يأخذنا إلى المسألة الثانية وتتعلق بمآلات الأزمة الخاصة بمدينة حلب السورية ذات الأهمية القصوى.
تفجرت معركة تحرير الموصل وسط صخب وضجيج كشف مدى عمق الصراع المحتدم بين أطراف عديدة داخلية وأخرى إقليمية تركية وإيرانية بالأساس، صراع له علاقة مباشرة بخرائط النفوذ وخرائط المصالح التى ستفرض نفسها بعد انتهاء معركة تحرير الموصل التى بدأت فجر الاثنين (17/10/2016) والتى قد تمتد لأسابيع وربما أكثر. لم تبرز ضمن تلك الصراعات شبهة صراع دولى فى العراق الأمر الذى يعنى أن الولايات المتحدة الأمريكية هى القوة الدولية صاحبة النفوذ والتأثير الأوحد فى العراق. هى التى هندست خرائطه السياسية وقواعد حكمه بعد غزوها له واحتلاله عام 2003، ولم تخرج منه إلا بعد ترتيب كل الأوضاع التى تبقيها وحدها متفردة تحكم عن طريق من اختارتهم حكاماً للعراق وفق معادلة أمريكية بحتة قائمة على المحاصصة السياسية التى قسمت العراق فعلياً إلى شيعة لهم الغلبة والسيطرة وأكراد شركاء أقوياء بحكم ما استطاعوا فرضه من حكم شبه مستقل لأنفسهم فى كردستان العراق بدعم أمريكي- بريطانى منذ حرب الخليج الثانية عام 1991، وسُنة ضعفاء تقرر إخضاعهم لتحالف شيعى كردى ترعاه أمريكا فعلياً وتديره إيران الشريك للأمريكيين من الباطن فى حكم العراق فى ظل غياب عربى كامل.
العنوان الذى حرص الأتراك على إبرازه مبرراً لإصرارهم على المشاركة فى حرب تحرير الموصل هو الحيلولة دون وقوع «حرب طائفية» إذا ما شاركت ميليشيات الحشد الشعبى «الشيعية» الموالية لإيران فى هذه الحرب، والدفاع عن السُنة على نحو ما أكد الرئيس التركى حرصه على «عدم السماح بأى سيادة طائفية على الموصل» وقوله إن «الموصل لأهل الموصل، وتلعفر (مدينة عراقية قرب الموصل يقطنها التركمان العراقيون) لأهل تلعفر، ولا يحق لأحد أن يأتى ويدخل هذه المناطق»، ومؤكداً أنه «يجب أن يبقى فى الموصل بعد تحريرها أهاليها فقط من السُنة العرب ومن السُنة التركمان ومن السُنة الأكراد، ويجب ألا يدخل الحشد الشعبى للموصل». وأمام الإصرار العراقى على رفض المشاركة التركية اضطر أردوغان أن يكشف عن نواياه الحقيقية أو بعضها، فأبرز ورقة «الحق التاريخي»، وتجديد الحديث عن تمسكه بوثيقة ما يسمى «الميثاق الوطني» التى ترسم حدود تركيا وتضم ولاية الموصل ضمن الأراضى التركية والتى تشمل مدينة الموصل وأربيل والسليمانية وكركوك، إضافة إلى الشمال السوري.
اللافت هنا أن الإدارة الأمريكية التى دعمت الموقف العراقى الرافض لأى مشاركة تركية فى معركة تحرير الموصل عادت وبشخص وزير الدفاع الأمريكى نفسه آشتون كارتر وعقب النجاحات الملموسة التى حققتها القوات المشاركة فى تحرير الموصل ليجدد دعوة العراق للقبول بمشاركة تركية فى هذه المعركة. وساطة آشتون كارتر رفضها حيدر العبادى رئيس الحكومة العراقية، لكن المهم هو لماذا غيرت الإدارة الأمريكية من موقفها الداعم لموقف الحكومة العراقية، هل هو خوف من غلبة قد يحققها «الحشد الشعبي» (الشيعي) المشارك فى معركة تحرير الموصل باعتبار أن ذلك سيكون رصيد نفوذ لإيران، أم أن الأمر له علاقة بالأزمة السورية وترتيبات النفوذ التركى فى سوريا، بحيث يسمح لتركيا بنفوذ فى العراق يوازن النفوذ الإيرانى فى سوريا.
مقولة «الأرض لمن يحررها» التى سبق أن وردت على لسان قادة البيشمركة الكردية فى العراق بإصرارهم أيضاً على أن يكونوا طرفاً فاعلاً فى معركة تحرير الموصل يبدو أنها هى التى ستحكم مواقف كل الأطراف: إيران عبر كل من «الحشد الشعبي» والحكومة العراقية، والولايات المتحدة عبر التحالف الدولي، والأكراد عبر البيشمركة، وتركيا، جزئياً عبر ما أخذ يُعرف بـ «قوات حرس نينوى» ويقودها أثيل النجيفى محافظ نينوى السابق وهى القوات التى كان يطلق عليها «الحشد الوطني» أو «الحشد السُني» لتمييزها عن «الحشد الشعبي» الشيعى الموالى لإيران.
ليس فى مقدور أحد أن يتوقع المآل النهائى لمعركة تحرير الموصل، وبالذات إجابة السؤال الذى طرحه مسعود برزانى رئيس إقليم كردستان العراق عندما زار بغداد قبل أسابيع من إطلاق معركة تحرير الموصل وهو: كيف ستدار المدينة بعد تحريرها. برزانى اقترح على حيدر العبادى مشروعاً يقضى بتقسيم محافظة نينوى إلى ثلاث محافظات جديدة، وإجراء استفتاء يقرر فيه سكان هذه المحافظات الانضمام إلى إقليم كردستان أم لا. هناك مقترح آخر تدعمه تركيا لتقسيم محافظة نينوى إلى ثمانى محافظات من بينها «سهل نينوى» الذى كان نواب أمريكيون قد تقدموا بمشروع لتحويله إلى محافظة تحت عنوان «حماية الأقليات» هذا المشروع كان بمنزلة ضوء أخضر أمريكى لبعث المؤتمر الآشورى العام والحركة الديمقراطية الآشورية، والمجلس الشعبى الكلدانى السريانى الآشورى والمطالبة بمنح المسيحيين حكماً ذاتياً فى منطقة سهل نينوى. ضوء أخضر أمريكى لإطلاق مشروع التقسيم فى العراق، إذا حدث سيكون حتماً عنواناً لمشروع مماثل فى سوريا، أحد أهم مؤشراته، السماح بهروب «داعش» من الموصل إلى «الرقة» فى سوريا، لفرض معادلة توازن قوى جديدة تتوازى مع الجهود الأمريكية الأوروبية لمنع نظام الأسد مدعوماً من روسيا وإيران من الفوز فى معركة تحرير حلب التى تتحصن فيها جبهة النصرة التى بدأت تستقطب معظم الفصائل الجهادية هى وجبهة أحرار الشام، الأمر الذى من شأنه أن يفرض واقعاً عسكرياً جديداً يمكن أن يؤسس لمشروع سياسى جديد لحل الأزمة السورية عنوانه «التقسيم هو الحل».