الحل الأفغاني: هل ستكون نهاية الأسد كنهاية نجيب الله؟!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
صالح القلاب
في لقاء صحافي نشرته إحدى الصحف العربية قبل أيام، تحدث المسؤول الأميركي السابق المعروف ريتشارد ميرفي، الذي عمل سفيرًا لبلاده (الولايات المتحدة) في كل من دمشق والرياض، عن مسألة غدت مطروحة ويكثر الحديث عنها بكل جدية هنا في هذه المنطقة وأيضًا في أوروبا وأميركا، وهي أنه لا حل لمشكلة بشار الأسد إلا «الحل الأفغاني»، وأنه لإنهاء هذه الأزمة السورية التي باتت معقدة وشائكة لا بد من «سيناريو» كـ«السيناريو» الذي تم تطبيقه في أفغانستان.
وحقيقة، فإن هذا الذي قاله ريتشارد ميرفي كمبادرة كان قد اقترحها، كما يتردد وكما يقال، على بعض كبار المسؤولين في بعض دول الخليج العربي كان قد طُرِحَ وجرى الحديث عنه مبكرًا عندما كان نظام بشار الأسد قد أصبح آيلاً للسقوط قبل أن تنتقل روسيا بتدخلها في الشؤون السورية الداخلية من مجرد المساندة السياسية والدبلوماسية والدعم الأمني إلى التدخل العسكري السافر الذي كان بدأ في نهايات سبتمبر (أيلول) عام 2015 ثم ما لبث أن تحول إلى احتلال فعلي غاشم وبأبشع أشكال الاحتلال.
لكن كل الذين تحدثوا عن هذا الحل وعن هذا «الخيار» وعن هذا الـ«سيناريو»، ومن بينهم ريتشارد ميرفي نفسه، هذا الذي يُعتبر أحد كبار الخبراء الأميركيين في الشؤون العربية وشؤون هذه المنطقة، لم يحددوا بالضبط ما الذي يريدونه وهل أنهم يقصدون إيجاد مخرج للرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي على غرار ما حصل عندما تنحى الرئيس الأفغاني الأسبق بابراك كارمال وحل محله مدير المخابرات الإيرانية السابق محمد نجيب الله الذي كانت نهايته مأساوية بالفعل عندما جرى إعدامه، بعدما وصل الحكم في أفغانستان إلى حركة طالبان، بالتعليق على أحد أعمدة الكهرباء في كابل وحيث بقي معلقًا لنحو أسبوع بأكمله؟!
وحقيقة فإنَّ المشكلة الأفغانية، التي كانت بدأت بذلك الانقلاب العسكري الذي نفذه الجنرال محمد داود خان ضد ابن عمه الملك محمد ظاهر شاه في عام 1975، قد ازدادت تفاقمًا أولاً بانقلاب حفيظ الله أمين على رفيقه في حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني محمد نور طرقي في عام 1979 الذي كان بدوره قد انقلب عليه رفاقه، وثانيًا بذلك التدخل السوفياتي الذي كان احتلالاً عسكريًا بكل معنى الكلمة، والذي جاء لسوريا كنسخة شبيهة له في وجوه متعددة وكثيرة، وثالثًا عندما تحولت أفغانستان، خلال حكم حركة طالبان المتطرفة، إلى معسكر كبير لتنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، ورابعًا عندما ارتكب هذا التنظيم الإرهابي، أي «القاعدة»، تلك الجريمة التاريخية البشعة في نيويورك وواشنطن في سبتمبر عام 2001، أمّا خامسًا فعندما ردت الولايات المتحدة على هذه الجريمة بتحشيد عسكري دولي واحتلال هذا البلد كله وإنهاء نظام هذه الحركة وفرض نظام جديد لم يستقر سياسيًا ولا أمنيًا حتى الآن رغم مرور كل هذه السنوات الطويلة.
وهكذا وعندما يجري الحديث عن الخيار الأفغاني لحل الأزمة السورية، التي قد ازدادت استعصاءً وازدادت مأساوية بعد التدخل العسكري الروسي الآنف الذكر، الذي تحول بعد عام واحد إلى احتلال يوصَف بأنه دائم، فإنه لا بد أن تخطر على البال هذه الـ«سيناريوهات» الأفغانية كلها وآخرها الغزو العسكري الدولي الذي قادته الولايات المتحدة، بعد كارثة برجي التجارة العالمي في نيويورك و«البنتاغون» في واشنطن في عام 2001، لإسقاط نظام حركة طالبان وإقامة نظام انتهى إلى الانتخابات الديمقراطية «المعقولة والمقبولة»، لكن ورغم مرور كل هذه الفترة الطويلة فإن هذا البلد لم ينعم بالاستقرار حتى الآن وهو لا يزال بحاجة إلى الحماية العسكرية الخارجية.. الأميركية بالدرجة الأولى.
فهل يا ترى أن هذا هو المطلوب بالنسبة لسوريا التي أصبح حالها، بعد نحو ستة أعوام من عدم الاستقرار، وفي جوانب كثيرة كحال أفغانستان قبل وبعد التدخل العسكري السوفياتي في عام 1979 ولكن دون انقلابات عسكرية كتلك الانقلابات الأفغانية التي تلاحقت بعد انقلاب الجنرال محمد داود خان في عام 1975، والتي لم تتوقف عمليًا، إلا بذلك الغزو الدولي الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2001، وأسقطت حكم حركة طالبان، لكنها في حقيقة الأمر لم تنهِ هذه الحركة التي بقيت حاضنة فعلية وحقيقية لـ«القاعدة»، وأصبحت أيضًا حاضنة لكل الحركات الإرهابية في تلك المنطقة الاستراتيجية الخطيرة؟
وحقيقة أنه بالإمكان الاتفاق ومرة أخرى على أن هناك صفات كثيرة بين أوضاع أفغانستان خلال فترة حكم حركة طالبان وقبل ذلك، ووضع سوريا تحت حكم بشار الأسد، فهناك الاحتلال السوفياتي وإلى جانبه «القاعدة» سابقًا ولاحقًا، وهنا الاحتلال الروسي ووجود «النصرة» و«داعش»، وأيضًا التدخلات الخارجية التي يقابلها تدخلات أخطر وأكثر من تلك التدخلات التي شهدتها ولا تزال تشهدها التجربة الأفغانية، ثم وإذا كان نظام بابراك كارمال ولاحقًا نظام محمد نجيب الله لم تكن لأي منهما أي سيطرة فعلية إلا على جزء محدود من البلاد، فإن المعروف أنَّ هذا النظام السوري لا يسيطر عمليًا وفي حقيقة الأمر إلا على «نُتفٍ» صغيرة حتى في دمشق نفسها، وكل هذا وإذا كان القرار هناك في كابل عند القيادة السوفياتية، فإنه ما بات مؤكدًا أن القرار هنا في دمشق إنْ لم يكن في قاعدة «حميميم»، فإنه عند فلاديمير بوتين في العاصمة الروسية.
وهنا، وبينما أن البعض يرى أن الحل الأفغاني المقصود الذي يُطرح كنهاية للأسد ونظامه هو ليس أيًا من كل هذه الحلول والـ«سيناريوهات» المشار إليها آنفًا، وإنما ذلك الحل الذي كان بدأه محمد نجيب الله بعد تسلمه الحكم، قبل أن ينتهي إلى تلك النهاية المأساوية المعروفة، فإن السؤال هو: ألمْ يكن بإمكان الرئيس السوري يا ترى أن يأخذ بهذا في بدايات انفجار ثورة عام 2011، وعندما كان حل تلك العقدة بالأصابع ممكنًا قبل أن تتطور الأمور وأصبح من غير الممكن حلها حتى بالأسنان؟!
وهكذا فالمهم أنه بينما لجأ بشار الأسد لمواجهة مطالب الشعب السوري بالحديد والنار ودفع سوريا دفعًا إلى كل هذه المآسي التي تواجهها الآن، فإن نجيب الله بمجرد وصوله إلى سدة الرئاسة قد رفع راية المصالح الوطنية وأعلن أنه عفا الله عما مضى، وبادر إلى إجراء تعديلات دستورية نصت على أن يكون النظام السياسي تعدديًا، وعلى حرية الرأي ووضع قانون إسلامي لمجلس حاكم على رأسه سلطة قضائية مستقلة، وهذا بالإضافة إلى الإعلان رسميًا عن ضرورة انسحاب القوات السوفياتية من بلاده، وإلى الانفتاح على المعارضة (المعتدلة) ممثلة بالقائد الكبير المعروف أحمد شاه مسعود، والاتفاق معه على تسوية شاملة لإنهاء الحرب الأهلية.. لكن ما لبث أنْ انهار كل شيء بسبب تعنت «المجاهدين» وتشددهم، وبسبب التدخلات الخارجية فكان أنْ سيطرت حركة «طالبان» على الحكم فتم إعدامه، أي نجيب الله، دون أي محاكمة بطريقة بشعة ومرعبة، وبذلك تكون قد انطوت صفحة واعدة في التجربة الأفغانية.. وهذه مسألة من المفترض، بل يجب، أن يتعلم منها بشار الأسد الشيء الكثير، وذلك مع أن أغلب الظن أن مصيره سيكون هو هذا المصير.