سلطان القاسمى.. «عن مصر والثقافة»
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أحمد الجمال
لكثير من الاعتبارات التى أعتقد أنها موضوعية يتصل بعضها بتكوين ومواقف صاحب النص، ويتصل بعضها الآخر بمصر الدور والمكانة والأمل، ولا تنفصل عن الظرف الزمانى الذى يمر به وطننا..
وأظنه ظرفا بالغ الدقة، فإننى أستأذن القارئ فى أن أقتبس نصوصا بحروفها من حديث للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة وعضو المجلس الأعلى للحكام بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، نشرته صحف الإمارات يوم 24 أكتوبر 2016.
تحدث عن دور جمهورية مصر العربية فقال: «طبيعة مصر تختلف عن طبيعة شعوب أخري. فالوضع هناك الآن يمكن تشبيهه بالجسد الذى يريد أن يتعافى من بعض الأمور التى يعانيها، وهذا العلاج يستلزم الكثير من المجهود، لأن العدد ليس بقليل، فتسعون مليون نسمة تعداد لا يستهان به، فى ظل المشاكل والتحديات التى تواجهها مصر من الخارج.. من الشرق والجنوب والشمال، فإن رئيس جمهورية مصر العربية عبدالفتاح السيسى رجل يتحمل المسئولية ويريد أن يعالج. فهو كالطبيب القابض فى يده على مشرط يجرح به فى الجسد للعلاج وليس للإيلام. والعلاج هنا فى ظل هذه الظروف والأحداث الجارية يحتاج إلى هدوء. ولذلك فمصر عائدة وبقوة، ولكن بعد الانتهاء من هذه الغمة الخارجية فى سوريا والعراق.. فمصر فيها الخير.. فإذا أردنا جيشا يدافع عن الأمة العربية فهو لنا من مصر.. فباستطاعة مصر أن تخرج بأمر عسكرى واحد عشرة ملايين مقاتل.. لذا فلنا فى مصر عمق وضمان. إننا نشاهد بعض البلاد الأخرى - والحديث مازال للدكتور سلطان - وقد استطاع الأعداء أن يخلخلوا فى جذورها، وشتتوها إلى عربى وكردى وتركمانى ويزيدي.. وبهذا تشتتت هذه البلاد كما تتمنى إسرائيل، ولكن لم ولن يتمكنوا من فعل ذلك فى مصر.. وهذا عائد لأن التلاحم المصرى يخلو من الاختلاف على مر الزمن، وبالرغم من المحاولات التى بذلها أعداء مصر لدس الاختلاف فى تلاحمها، لكنهم لم ولن يستطيعوا.. وهذا يوضح لنا أن سبب نجاح الأعداء فى تشتت بعض الدول هو عدم وجود عامل مشترك بين أفراد هذه الدول.. ولذلك يلزم علينا أن نشترك فى أهم عامل بيننا، وهو «القومية العربية»، حتى نتمكن من حماية بعضنا بعضا، ولهذا أقول مصر عائدة».
ولأن المهمة التى حملها على عاتقه منذ سنين طويلة هى مهمة الإحياء والنهوض الثقافى العربي، فإن الدكتور سلطان يقول عن مشروعه الثقافي: «فى بداية اتحاد الإمارات كان التعليم والتجارة والزراعة والصيد والكثير من المجالات متوافرة فى الدولة، ولكن مسألة الثقافة لم تكن موجودة، لأن وظيفة الثقافة هى أن تضيف وليست منبعا.. ولدى مشروعى الذى أعمل عليه منذ عام 1982 وأنا ماضٍ فيه.. والشارقة لديها كل يوم إضافة فى المشهد الثقافي، وأتابع بنفسى أدق التفاصيل لهذه الأحداث، فهو برنامج خاص بي، وهذا المشروع ليس مستمرا فقط فى إمارة الشارقة أو فى دولة الإمارات، فمشروعى الثقافى هو «الثقافة العربية»، وإذا أردت أنا أن أنهض فيلزم أن أنهض بالأم نفسها.. ومصر هى الأساس فى مجالات كثيرة.. وأن أى عمل يواجه بعض المشاكل، ولذا فالعمل يريد استقرارا، والعمل لا يُستوعب إلا بالتكرار.. فأنا أعمل بكل جد وجهد فى هذا المشروع الثقافى منذ عشرات السنين وحتى الآن أقول إننى لم أصل.. فيجب ألا نستعجل فى صنع الثقافة، لأنها تراكمات يستكمل العقل البشرى استيعابها.. ولا بد من تربية العقل البشرى على هذا المنهج».
ثم أستأذن القارئ فى أن أختم اقتباسى الجزئى بهذه العبارة للشيخ الدكتور سلطان القاسمي: «وبالرغم من كل الأحداث الجارية التى أصابت الكثيرين بالإحباط، إلا أننى لا أشعر بإحباط، لأننا عندما ننظر إلى حياة الشعوب ندرك جيدا أن ما يحدث الآن هو حالة فى الزمن.. والحالات فى الزمن كثيرة، سواء سيئة أو حسنة، فأحواله متقلبة كأمواج البحر.. ولا يجب علينا الخوف من هذه التقلبات، بالرغم من أنها أحيانا تجلب معها المنايا لأبنائنا وتلقى بهم جثثا على الشواطئ الأوروبية، وهنا يجب علينا الصبر والتحمل، لأن ما أصابنا من ضرر على يد المغول، وكذلك التركمان، كان أشد من هذا ألمًا»!
تلك رؤية عقل وعين ووجدان ترى الصورة فى مصر وفى الوطن العربى من زاوية محددة هى زاوية المسئول الذى يعرف معنى المسئولية وكيف أن كل حرف إن لم يكن فى موضعه وسياقه وضمن مضمون واضح، فقد تترتب عليه آثار وخيمة.. لذا قد يفاجأ البعض بأن هذا المسئول العربى متفائل، رغم كل هذا الإحباط الأسود المخيم على المنطقة، وبالبحث فى مضمون كلامه عن سر تفاؤله نجد أننا إزاء رؤية تنطلق من الارتكاز على الثقافة أولا وثانيا وعاشرا، والثقافة تعنى بناء الإنسان واعتماد التوازن بين العقل المستنير والوجدان المرهف المتيقظ، وتنطلق من رهان يقينى مؤكد بأن مصر عائدة وهى الأساس.. ثم قراءة واعية للتاريخ.
ثم إننى وقد عرفته منذ 37 عاما بالتمام لست فى مقام سرد ما قدمه وقدمته الشارقة للثقافة بآدابها وفنونها وللتاريخ بمصادره ومراجعه ووثائقه.. وما تم تقديمه للأمومة والطفولة والمرأة والشباب فى أكثر من بلد.. وأيضا ما تم تقديمه لمجالات بعينها فى مصر المحروسة وغيرها من أقطار الأمة العربية، لأن الرجل يرفض رفضا قاطعا الحديث عن ذلك، سواء من أى اتجاه أو جهة أو فرد، وأذكر حسمه الواضح فى هذا الصدد عندما حاول البعض نشر ما تم تقديمه لمصر أثناء زيارته لها، إذ ضرب مثلا بعزيز كبير تم تكبيله ونودى من خصومه أن ارجموه.. فجاء محبوه ورجموه بالورد وهم يبكون! ظنا أنهم يعبرون بذلك عن حبهم.. ولكن هذا غير صحيح لأن الرجم رجم حتى وإن كان بالورد!.