جريدة الجرائد

السعودية: تغيير الخطاب الإعلامي!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

 حسين شبكشي  

 بالنسبة لي لم يكن فقط ما قاله المسؤولون من العيار الثقيل في الحلقة التلفزيونية الشهيرة عن الواقع الاقتصادي السعودي هو المشكلة، ولكن الحلقة التي كان من المفروض أن تطمئن المتلقي وتشرح وتفسر القرارات التي صدرت وتزيل اللبس وسوء الفهم، ولكنها كما بات معروفًا جاءت صادمة جدًا وبنتائج عكسية.

المفزع في الأمر هو موضوع «إدارة المادة الإعلامية» في هذه الحالة. الحلقة لم تكن على الهواء، وبالتالي عنصر المفاجأة لم يكن موجودًا والأسئلة أعدت بشكل دقيق، وكان الضيوف يدركون أسباب المقابلة مقدمًا، وتمت مراجعة المادة قبل بثها، كل ذلك مرّ، ومع ذلك لم «تحذف» التصريحات التي تسببت في الجدل في مرحلة المونتاج الفني التي تحدث قبل البث.
الخطاب الإعلامي في هذه المرحلة توجد فيه مشكلة، ولا شك أن هذه هي الخلاصة المؤكدة. شدة الموجة الصوتية هي الطاقة التي تحملها الموجة.
الشدة العادية تكون عند مستوى 60 نقطة ديسيبل، وابتداء من مستوى 90 نقطة ديسيبل فصاعدًا تبدأ الموجة في إحداث تأثيرات هدمية، ولكنها ليست بالضرورة سلبية. فقد تكون سلبية مثلاً في حال إصابة الأذن بالضرر الشديد، ولكن قد تكون إيجابية جدًا مثلما هي الحالة في تطبيقات تفتيت الحصى الطبية.
النقطة المهنية المطلوب التركيز عليها هي أن الطاقة التي يتم بثها في الموجة الصوتية، هي ما يحدث الأثر وليس الصوت ذاته، وهذا تحديدًا توصيف حال الخطاب الإعلامي السعودي اليوم، فهو بعيد تمامًا عن طموحات الرؤية وأهدافها، ولم يستطع «استثمار» اللحظة لأجل تمهيد الرسالة للرؤية.
هناك من تأثر بسلطة الإعلام الرابعة في الغرب، واعتقد أنه بن برادلي أسطورة الصحافة الغربية، واعتقد أنه سيغير العالم، كما تمكن بن برادلي ذات يوم من إسقاط ريتشارد نيكسون في فضيحة ووترغيت، وتظهر علينا شخصية أخرى تعتقد أنها أنديانا جونز البطل الأسطوري للسينما الأميركية الذي كان بكرباجه يلوح ذات اليمن وذات اليسار ليصطاد أعداءه، مثل هذه البطولات بعيدة تمامًا عن قراءة نبض الشارع وربطه برسالة الرؤية، هذه هي البضاعة الوحيدة المطلوب ترويجها وليست البطولات والأمجاد الشخصية.
فالخاسر الوحيد كان الإنسان البسيط الذي يرغب في معرفة الحقيقة، وأن يطمئن على قوت عيشه ومستقبله، بلغة سهلة وغير مقعرة، فهل نستطيع بعد ذلك أن نقدم إعلامًا رصينًا ومحترمًا وغير مؤدلج وبلا فوقية وإهانة للمتلقي، والعودة إلى طرح محايد وخبر صادق (حتى وإن كان صادمًا) ومعلومات تمكن المتلقي من أن يكون بالفعل أقرب للحق والحقيقة.
الرسالة والرؤية مهما كانتا قويتين ومقنعتين من دون خطاب إعلامي يعكس مرآة الطموح والتوقعات ستكون ناقصة ومشوهة. لأنه من غير المقبول أن نجوب العالم لإقناعه بأن يأتي للاستثمار في السعودية (هذا خطاب إعلامي موجه للآخر الخارجي) ثم يكون الطرح الداخلي هو أننا لا ننتج وعلى وشك الإفلاس.
وهذا يذكرني بخطابات ياسر عرفات، الذي كان يدعو للسلام في خطاباته باللغة الإنجليزية مع الغرب، ثم يدعو للقتال في خطاباته باللغة العربية لأهالي فلسطين. التناقض مرفوض لأنه مفضوح.
السعودية تستحق خطابًا إعلاميًا أكثر مهنية ودقة واحترامًا للمتلقي.

 

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف