السيدة بارك والسيدة تشوي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
أي لغز هو هذا اللغز الذي نعرفه باسم الإنسان؟ فرد واحد: لا نعرف ماذا يغير في حياة الشعوب والأمم؛ عمارًا أو خرابًا.. بؤسًا أو هناء. ها هي اليوم حكاية السيدة بارك غوين هي، أول امرأة رئيسة لكوريا الجنوبية، الاقتصاد الحادي عشر في العالم، وابنة بارك تشونغ هي، مؤسس الازدهار، الذي حكم البلاد 18 عامًا بقبضة من حديد.
لكن السيدة بارك اعتذرت من شعبها لأنها خضعت لسطو امرأة مشبوهة تدَّعي الاتصال بالأرواح، وهي ابنة صاحب مذهب غامض يدعى «كنيسة الحياة الأبدية». وكانت السيدة بارك واقعة تحت سطوته أيضًا، وكان يوهمها بأنه على اتصال بروح أمها، التي قتلها مهووس من كوريا الشمالية.
فوجئ الشعب الكوري الذي انتخبها وفاء لوالدها عام 2013، بالقصص التي كُشفت حول القصر الرئاسي، ومنها أن الرئيسة ترفض مخاطبة وزرائها إلا بالمراسلات، وقبل أيام أبلغت رئيس الوزراء بعزله عبر رسالة نصيّة. وإذ نزل المطالبون باستقالة الرئيسة إلى شوارع سيول بالآلاف، شعر أهل هذه الدولة الصناعية الكبرى بالحرج الشديد.. بلد منافس صناعات العالم أجمع، ورئيسة تخاطب الأرواح وتخضع، حتى في القرارات السياسية الكبرى، لسيطرة امرأة مشبوهة.
وقد أرسلت المرأة إلى السجن، فيما بدأ سيل من الفضائح يتفجر؛ منها أن صديقة الرئيسة تفرض خوّات بالملايين على كبرى الشركات، وبينها «سامسونغ».
سوء الطالع يلاحق كوريا من الشمال والجنوب. في سيول، رئيسة تؤمن بالسحر، وفي بيونغ يانغ، فتى مبجل يؤمن بفعالية الصواريخ الباليستية في ابتزاز الدول الغنية، من اليابان إلى أميركا.. هو وريث عبادة الفرد قهرًا، والسيدة بارك ورؤية تمجيد الفرد، طوعًا. جنوب يتقدم العالم في الصناعات العلمية والتقنية، وشمال يهدد العالم بالصناعات النووية، ولا يزال متخلفًا في صناعة الأدوات الزراعية. لكن فيما يسمح النظام في الجنوب بإقالة، أو استقالة، الرئيس، فالنظام في الشمال يفترض أن يستقيل الشعب أولاً.
الفرد كائن مفزع؛ منفردًا أو في جماعة. يهون الأمر في الدول الخاضعة لحكم القانون، حيث تتعدد وسائل المراقبة والمحاسبة، وبدل أن تتحول المسألة إلى كابوس طويل لا نهاية له، تتحول إلى أزمة مكلفة، يمكن العبور منها، ضمن إطار المؤسسات. حكاية السيدة بارك، وصديقتها لأربعين عامًا، السيدة تشوي، نهاية غير سعيدة على الإطلاق.