جريدة الجرائد

ما يهمّ لبنان من الإدارة الأميركية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

ما يهمّ لبنان من الإدارة الأميركية: انعكاس طبيعة التعامل مع سوريا وايران

روزانا بومنصف

لثلاثة عقود خلت، كانت أنظار اللبنانيين تنشد الى الانتخابات الاميركية على وقع هاجس اساسي ارتكز على ارتباط استمرار الحرب الاهلية التي كانت قائمة في لبنان، الى جانب الحروب الاخرى، بما قد تحمله اي ادارة اميركية جمهورية او ديموقراطية من مقاربات لازمات المنطقة وامكان تحرير لبنان حينئذ من الجيوش العسكرية التي كانت تحتله بشكل مباشر او غير مباشر. وكان للبنان جولات من الرهانات الخاطئة حتى وصول ادارة جورج دبليو بوش التي عايشت انطلاق "ثورة الارز" في 2005. فانخرطت في موضوع انسحاب سوريا من لبنان، ولطالما قيل إن الولايات المتحدة الاميركية سلمت لبنان الى سوريا واخضعته لوصايتها، وكانت الاسئلة المحرجة التي كانت توجه الى السفراء الاميركيين تتصل بالمدة التي ستسمح بها الولايات المتحدة بالوصاية السورية على لبنان، وأي ثمن يمكن أن يدفعه لبنان لدى أي مشكلة تواجهها الولايات المتحدة في المنطقة وتسعى الى حلها مع الدول المؤثرة فيه، أكانت اسرائيل أم سوريا، ولا سيما انه علق طويلا في أذهان اللبنانيين تسليم اميركا بوصاية سوريا حين اصطفت سوريا الى جانب التحالف الاميركي من اجل اخراج صدام حسين من الكويت.

حين يجتهد السياسيون أو الديبلوماسيون في قراءة ملامح السياسة الخارجية للرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب، فإنما على قاعدة بعض العناوين التي ضمنها حملاته الانتخابية، وهي ليست مشجعة، لكنها ليست كافية أيضا، علما ان من تابع مواقف الرئيس المنتخب يمكنه القول انه يترك المجال لمخيلة المتابعين لسياسته عبر قوله "أريد أن أكون شخصا لا يمكن التنبؤ بمواقفه"، أي أن المحللين قد يخاطرون بقراءات غير واقعية لما يقدم عليه ويفاجأون بوقائع مختلفة. ما قد يهم لبنان فعلا من الادارة الجديدة خصوصا وعلى نحو مباشر، الى جانب استمرار الاهتمام باستقراره ودعمه على المستوى العسكري في شكل اساسي من اجل مواجهة التحديات الامنية، بات يستند الى معايير تتصل بكيفية مساعدة الولايات المتحدة في انهاء الحروب القائمة في العراق وسوريا واليمن، وما اذا كانت اميركا ستساهم في إعادة التوزان الى المنطقة بعدما اختل بانسحابها منه ام لا، علما أن الاولويات أمام الرئيس المنتخب قد تكون مختلفة جدا عن كل ما سبق. اذ ان طبيعة انخراط الولايات المتحدة في حلول لهذه الازمات وما اذا كان سيكون انخراطا فاعلا او من بعيد، على غرار قيادة الادارة الاميركية الحالية من خلف، هو الذي يمكن ان يترك انعكاساته على لبنان. فهناك ملفان على الأرجح أكثر التصاقا بالواقع اللبناني لجهة الانعكاسات عليه: الاول يتصل بمآل الوضع في سوريا، وتاليا هل الإدارة الاميركية الجديدة يمكن ان تترك الامور لروسيا في سوريا ولايران معها، بحيث يستتب واقع النفوذ لهذا المحور بناء على عبارات الود التي تبادلها ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ابان حملة الرئيس الاميركي الذي اعطى اشارات عن استعداده للتعاون مع روسيا في ضرب تنظيم "الدولة الاسلامية" وحتى التعاون مع بشار الاسد لهذه الغاية، مما يترك علامات استفهام حول ترك المنطقة لهذا المحور؟ والثاني يتصل بالملف النووي الايراني الذي انتقده ترامب وتحدث عن امكان تغييره، فيما أعلن اوباما انه ملتزم الاتفاق حتى نهاية ولايته، الامر الذي قد يشي باحتمال وجود نية في تعديله، خصوصا انه سيكون الى جانب الرئيس المنتخب كونغرس يسيطر عليه الجمهوريون، مما سيسهل عمل الرئيس في حال حصول توافق وتناغم في المواقف بينهما. وإذا عادت العلاقات الاميركية-الايرانية الى توترها على خلفية إعادة فتح ملف الاتفاق النووي، فمن غير المستبعد ان يؤثر ذلك على لبنان انطلاقا من ان هذا الاخير استخدم مرارا ساحة من اجل تمرير الرسائل في اتجاهات متعددة على خلفية التفاوض حول الملف النووي أخيرا، وقبل سنوات أيضا في قمة الصراع حوله انطلاقا من ان زيادة تسليح "حزب الله" ودعمه، كان على خلفية اساسية تتصل بمواجهة اسرائيل في حال التعرض للمواقع النووية الايرانية. ثمة ما قد يكون مهما، لكنه سيكون مفاجئا على نحو ايجابي لو ان ترامب أعاد الاهتمام بالقضية الفلسطينية الى صلب اهتمامات الادارة المقبلة، وللبنان مصلحة في ذلك نظرا الى قلقه من موضوع اللاجئين الفلسطينيين، ولو ان هذا لا يعني حكما القدرة على حلها كما فعل الرئيس الاميركي الحالي باراك اوباما الذي اهتم فور تسلمه ولايته الاولى بتعيين موفد خاص من اجل ايجاد حل للازمة الفلسطينية، فيما يختتم ولايته الثانية بتغييب كلي لهذا الملف بعدما عجزت إدارته عن المساعدة في ايجاد حلول، علما ان مواقف الرئيس الاميركي المنتخب من اسرائيل وبناء المستوطنات في الاراضي الفلسطينية المحتلة لم توح بإيجابية تذكر حتى الآن. ثمة ما تقدم على نحو ملح على القضية الفلسطينية ليس من حيث الاهمية بل من حيث التداعيات الخطيرة في استمرار الحروب في سوريا والعراق واليمن الى حد وضع هذه القضية على الرف منذ سنوات، وهي حروب أسفرت عن موجتين خطيرتين من اللاجئين والارهاب، وهما العنوانان الاساسيان اللذان يشكلان محور السياسات الخارجية للولايات المتحدة. وقد كان موضوع اللاجئين عنوانا بارزا في حملات الرئيس المنتخب، علما انه كرئيس يأتي من خارج التقليد السياسي قد يقلب كل الاولويات او غالبيتها، او ينقضها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف