كيف نحقق التكامل الاقتصادي الخليجي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فواز العلمي
يتوجب علينا توحيد الأنظمة التجارية الخليجية، وخاصة أنظمة الشركات والسجل التجاري والوكالات، والمنافسة، وحماية حقوق الملكية الفكرية والصناعية، وتراخيص الاستيراد والتثمين الجمركي
في الوقت الذي لا يزيد عدد سكانها عن 0.5% من سكان العالم، تمتلك دولنا الخليجية 48% من مخزون النفط العالمي و24% من مخزون الغاز الطبيعي، مما تقدّر قيمته بالأسعار الجارية بـ800 تريليون دولار، وتعادل 15 ضعف قيمة الناتج الإجمالي السنوي العالمي، و60 ضعف قيمة التجارة العالمية السنوية في قطاعي السلع والخدمات.
وفي العصر الذي تحكمه التكتلات الاقتصادية والشراكات الاستراتيجية، التي فاق عددها 234 اتفاقية، أصبح من واجبنا رفع مستوى التنسيق وزيادة وتيرة التعاون بين دولنا الخليجية في جميع الميادين وصولا إلى تكاملها الاقتصادي، لتذليل عقبات تطورنا ومواجهة إلحاح تحدياتنا. لذا جاء انعقاد الاجتماع الأول لهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية الخليجية بالرياض يوم الخميس الماضي لرسم خارطة الطريق اللازمة لتنمية مصالحنا المشتركة وتنفيذ أهدافنا الاستراتيجية، التي تتطلب تحقيق الخطوات التالية:
أولاً: زيادة فتح الأسواق الخليجية للتجارة البينية تنفيذا للمادة 24 من اتفاقية الجات الخاصة بتجارة السلع والمادة 5 من اتفاقية الجاتس الخاصة بتجارة الخدمات، ليصبح السوق الخليجي مفتوحا بالكامل أمام انسياب السلع والخدمات والاستثمار، وقادرا على استخدام حقوقه في استثناء الدول الأخرى من المزايا المتبادلة داخل حدوده، طبقا لحق الدولة الأولى بالرعاية. وهذا سيساهم في رفع نسبة التبادل التجاري الخليجي إلى أكثر من النسبة الحالية التي لا تتعدى 11%، بينما تصل إلى 71% في السوق الأوروبية المشتركة، و82% في دول ميركسور التابعة لأميركا الجنوبية.
ثانياً: إبرام اتفاقيات التجارة الحرة مع الأسواق المماثلة ذات المصلحة الاقتصادية المباشرة مع الدول الخليجية، مثل المجموعة الأوروبية وعددها 27 دولة، ومجموعة آسيان وعددها 10 دول في شرق آسيا، ودول الميركوسور وعددها 6 دول في أميركا الجنوبية، إلى جانب تركيا والصين والهند واليابان وأستراليا ونيوزيلندا وماليزيا. وستحقق هذه الاتفاقيات العديد من المكاسب والفوائد لاقتصاديات الدول الخليجية نتيجة لزيادة فتح أسواق الدول المستهدفة أمام صادراتنا، وتوفير المناخ الاستثماري الأمثل لقطاع أعمالنا، وتوليد الوظائف في مؤسساتنا وشركاتنا من خلال استغلال المزايا المتوفرة لهذه الترتيبات الإقليمية في قواعد وأحكام النظام التجاري العالمي.
ثالثاً: إنشاء المفوضية التجارية الخليجية لاكتساب صفتها الرسمية في معقل العولمة على غرار المفوضية الأوروبية، ولكي تحصل السوق الخليجية المشتركة على مقعد إضافي دائم في منظمة التجارة العالمية، مما سيمنحها القدرة على تنسيق مواقفها المشتركة ورفع كفاءتها المعرفية وتعميق قدراتها الذاتية للدفاع عن مصالحنا الخليجية الموحدة، إلى جانب توحيد صفوفها أمام التحالفات الاستراتيجية المماثلة والتكتلات الاقتصادية الأخرى.
رابعاً: توحيد الأنظمة التجارية الخليجية، وخاصة أنظمة الشركات والسجل التجاري والوكالات، والمنافسة، والمواصفات والمقاييس، ومكافحة الإغراق والدعم والحماية الوقائية، وحماية حقوق الملكية الفكرية والصناعية، وتراخيص الاستيراد والتثمين الجمركي، والفحص قبل الشحن. وهذا سيسهم بشكل مباشر في تحقيق التكامل المأمول للسوق الخليجية المشتركة ويثري القيمة الحقيقية للمحتوى الخليجي ويؤدي إلى زيادة تدفق الاستثمار الأجنبي في أسواقنا الواعدة.
خامساً: الإسراع في تسهيل حركة النقل السريع بين الدول الخليجية من خلال ربط البنى التحتية والخدمية بالجسر البري للسكة الحديدية وشبكات المياه والكهرباء والاتصالات وتقنية المعلومات. وهذا سيساهم في تطبيق مبدأ المنفذ الجمركي الموحد وتعظيم قدرات النقل السريع لتخفيض تآكل طرقنا البرية وحمايتها من الهدر والاستنزاف.
سادساً: إنشاء المخزون الاستراتيجي الخليجي الآمن للمياه، من خلال تكوين بنك للمعلومات المائية، ورسم خارطة الموارد الطبيعية، وتحديد المكامن الجوفية الآمنة لتخزين المياه، بالإضافة إلى تشجيع القطاع الخاص على تصنيع معدات التحلية وقطع غيارها ونقل تقنياتها. ونظرا لاعتمادها على المياه المحلاة بنسبة لا تقل في المتوسط عن 65%، والمياه الجوفية النابضة بنسبة 35%، فإن الدول الخليجية ستحتاج إلى 88 مليار متر مكعب من المياه العذبة سنويا، مما يتطلب ضرورة رفع استخدام الطاقة الشمسية والنووية لرفع كفاءة محطات التحلية وتخفيض كميات النفط المستخدمة لتشغيلها بمعدل مليوني برميل يوميا.
سابعاً: توسيع وتعميق القاعدة الإنتاجية الخليجية لتخفيف اعتمادنا على النفط كسلعة وحيدة للدخل. وهذا يتطلب منا زيادة فتح الأسواق الخليجية للاستثمار الأجنبي، وضخ المزيد من رؤوس الأموال في الصناعات التكميلية أفقيا ورأسيا، ومضاعفة عدد المدن الاقتصادية وتشجيع بناء التجمعات الصناعية، وتوفير الدعم الكامل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي لا تزيد عن 45% من قطاع الخدمات الخليجي. وهذا سيؤدي إلى مضاعفة صادراتنا غير النفطية من 22% إلى50%، وتخفيض واردتنا من 90% إلى 40% من احتياجاتنا.
ثامناً: إعادة هيكلة التعليم بمختلف مراحله لتوجيه مخرجاته طبقا لمتطلبات أسواق العمل الخليجية وتوطين الوظائف لتأمين مستقبل أجيالنا القادمة وزيادة المحتوى الخليجي المحلي. ونظرا لأن التقديرات الإحصائية المتوقعة للنمو السكاني بدول الخليج العربية تشير إلى أن عدد السكان الإجمالي سوف يزيد بنسبة 57% خلال العقد القادم، ليرتفع عدد الخليجيين منهم بنسبة 89% خلال المدة نفسها ويصبح عددنا 57 مليونا في عام 2020، فإن هذا الارتفاع سيؤدي إلى زيادة المعروض من القوة العاملة الخليجية بنسبة تفوق 112% عما هي عليه اليوم، لتصل إلى 23 مليون خليجي قادر على العمل بعد 4 سنوات.
لا شك أن تكامل اقتصادنا الخليجي سيمنحنا الفرصة المثالية لدخول ميدان العولمة من أوسع أبوابه، وسيؤدي إلى تحقيق أهداف قادتنا وتعظيم مكاسب شعوبنا، ليصبح هذا التكامل أكبر تحالف اقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، وسادس أقوى شراكة استراتيجية في العالم.