الكرسي أبيض والبيت أبيض
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله الغذامي
من بداية حملة ترامب والمعنى النسقي فيها واضح، فهي حملة ضد رئيس أسود يجلس في البيت الأبيض، وضد امرأة تسعى لتحتل الكرسي الأبيض.
وهذا يستدعي رحلة المصطلح الثقافي معروضا على التاريخ الأمريكي ومكشوفا عبره، حيث مرت المقولات الثقافية في توصيف البيئة الأمريكية بين ثلاثة مصطلحات، أمريكا بوصفها رجلا أبيض، ثم أمريكا البوتقة الصاهرة، ثم أمريكا صحن السلطة، حيث ابتدأت تاريخيا مع اجتياح الهجرات التي هي خلاصة ثقافية عن رجل أبيض يقهر المحليين ويجلب الأفارقة للاستعباد، ويحتقر المرأة ، ثم كافحت أمريكا ليتحرر الأفارقة ولتأخذ المرأة حقها في الوجود، وبدأ تحييد مصطلح الرجل الأبيض للدخول في تلوين يكسر سلطوية اللون، وتم طرح مصطلح جوزة الهند أي أن تكون أبيض من الداخل وأسمر من الخارج، وهي تعني عبارة ( البوتقة الصاهرة) ومهما كان لونك فأنت أبيض ثقافيا وعقليا، وتوالت ثورة المصطلحات ليأتي مصطلح (صحن السلطة) الذي يطرح التعددية الثقافية، وأن المجتمع متنوع بألوانه ومذاقاتها ومكوناته، وهذا يسقط مصطلح البوتقة الصاهرة التي تعني جوزة الهند بالمضمون الأبيض والماء الأبيض من داخل الجسد الملون.
كذا هي حال المصطلحات إلى أن جاءت حملة ترامب، تلك الحملة التي كشفت قدرة النسق على تحدي المتغيرات، وتوضح طرقه في إعادة نفسه، وكانت الحملة في كل شعاراتها تقوم على مجد أمريكا البيضاء والذكورية، وكل خطاب الحملة ظل مضادا للنساء وللسود ولكل مختلف ديني وثقافي وعرقي، وتمكنت من كسب أخطر كرسي في أمريكا وفي العالم.
ومهما تحولت مآلات ترامب السياسية، وهي قابلة للتحول حسب النظرية البراقماتية للسياسة والاقتصاد، إلا أن المعنى الثقافي يشير بحدة صارخة على قدرات النسق الفحولي لاستعادة قوته وفرض صوته، وفوز ترامب هو فوز للنسقية، وفوز لمعنى أمريكا بوصفها رجلا أبيض. هذا المعنى الرجعي الذي كانت النظريات كلها تظن أنها قد أجهزت عليه، ولكنه عاد ليحتل مقدمة كل الواجهات العالمية، وسيظل هذا هو الأثر الصارخ للمعنى السلبي لفوز ترامب، أقول السلبي بالمعنى الثقافي والنظري، مهما كانت حال ترامب بعد الفوز، وليس ببعيد أن يصبح رئيسا براجماتيا كأي رئيس على مثل ذلك الكرسي (الأبيض في البيت الأبيض) ،ولكن البراجماتية لن تنقذ حال الانكسار الذي أصاب كل مكتسبات التعددية الثقافية ونظرياتها. (عن مصطلحات التعديية الثقافية أرجو النظر في كتابي الليبرالية الجديدة، الفصل الثاني).