ثورات «الاستقطاب» العربي .. لم ينجح أحد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تطرح ثورات الربيع العربي إشكاليات عدة، من أبرزها مدى قدرة الدول التي شهدت انتفاضات شعبية على التحول من مرحلة الأنظمة الشمولية إلى مرحلة أكثر استقرارا سياسيا، واجتماعيا، واقتصاديا، وأمنيا، خاصة مع ضعف الجيوش الوطنية، وتشعب الصراعات الداخلية من أجل الاستحواذ على السلطة، ولاسيما مع بروز الميليشيات المسلحة كجزء رئيس من التفاعلات بالإقليم، وما يرتبط بذلك من تحديات عدة تتعلق بإمكانية تحقيق تطلعات الشعوب، بعد ثورات الربيع العربي.
وفي هذا الإطار، يأتي كتاب إبراهيم فريحات الذي يقوم بالأساس على بحوث ميدانية أجراها الكاتب على مدى ثلاث سنوات في كل من اليمن، وليبيا، وتونس، عقب ثورات الربيع العربي، فهو نتيجة لأكثر من 200 مقابلة مع شخصيات رئيسة من المسؤولين الحكوميين، ورؤساء الأحزاب السياسية، وشباب ونشطاء الثورة، وممثلين عن المنظمات النسائية، ومنظمات المجتمع المدني، والقادة العسكريين، والميليشيات، وزعماء القبائل. وفقا لقراءة أحمد عبدالعليم، الباحث في العلوم السياسية.
تحديات ما بعد الثورات
يشير الكاتب إلى أن الدول في الفترة، التي أعقبت ثورات الربيع العربي، شهدت مرحلة تتسم بالديناميكية الشديدة، والتحولات المتسارعة، ما ترتب عليه ظهور تحديات عدة، كان من أبرزها أمران غاية في الخطورة، هما: الاستقطاب السياسي، وإمكانية الدخول في حرب أهلية، وذلك في ظل ضعف أو سقوط الجيوش الوطنية، وتدهور الأوضاع الأمنية بشكل كبير، حيث يقارن الكاتب بين ثلاث دول تشهد صراعات في ظل التحولات السياسية، عقب ثورات الربيع العربي، وهي: اليمن، وليبيا، وتونس.
يقوم كتاب إبراهيم فريحات على بحوث ميدانية أجراها الكاتب على مدى ثلاث سنوات.
ونظرا لحالة الحراك السريعة في تلك الدول، فإن الكاتب فضل عدم تناول الأحداث المتسارعة، مثل الانتخابات أو الأزمات الخاصة، ولكنه ركز بدلا من ذلك على الأفكار الاستراتيجية التي يمكن أن تؤثر في مستقبل التحول لعقود قادمة، وما يرتبط بذلك من تحديات شتى، مثل: نزع سلاح المقاتلين، والحوار الوطني، والتهجير، والإصلاح المؤسسي بحسبان تلك الأمور هي الركيزة الأساسية لأي خطوات مستقبلية.
وفي هذا الإطار، يرى الكاتب أن أبرز التحديات في اليمن بعد الثورة هي ملف الأمن وإصلاح الجيش، إضافة إلى تفاقم أزمة التمرد الحوثي في الشمال، وكذلك قضية جنوب اليمن وتشابكاتها التاريخية، علاوة على بروز تنظيمي القاعدة و"داعش" في البلاد. أما في ليبيا، فإن أبرز التحديات تيتمثل في التدهور الأمني، وانتشار الميليشيات المسلحة بشكل كبير، والتناحر على السلطة في ظل حكومتين وبرلمانين، ووجود عدد كبير من اللاجئين والنازحين. في حين تأتي التحديات أقل في تونس في ظل بروز التهميش والاستقطاب، ولكن يوجد استقرار سياسي أفضل نسبيا.
يرى الكاتب أن الاستقطاب هو الآفة الكبرى التي تصدرت مشهد ما بعد ثورات الربيع العربي، والذي عُدّ أحد تداعيات الأنظمة السلطوية الشمولية التي قامت عليها الثورة. حيث إن كل نظام ترك خلفه مظالم شعبية واسعة، ما جعل شرائح مجتمعية في مواجهة الأخرى، وولد حالة من الصراع المسلح، خاصة في ظل وجود فئات مجتمعية كانت مستفيدة بالأساس من استمرار وبقاء الأنظمة القمعية في مواجهة طموحات شعبية لفئات مجتمعية أخرى ترفض ذلك في ظل معاناة طويلة لسنوات عدة قبل الثورات.
ويشير المؤلف إلى أن تعميق الانقسام المجتمعي مرتبط بعدم وجود مشاركة سياسية فعالة قبل الثورة، حيث كانت القرارات تؤخذ من أعلى إلى أسفل، في ظل غياب المشاركة العامة. ولذا، فإن هؤلاء المواطنين لم يكونوا أبدا جزءا من العقد الاجتماعي (...) وإنه إذا ما عُدّت تلك الحسابات التاريخية جزءا من الاستقطاب الحادث، فإن الربيع العربي بلا شك قد شكل سببا مهما لبروز هذا الاستقطاب، حيث إنه خلف مجتمعات منقسمة، وهو ما قلل من فرصتها نحو التحول الناجح.
البحث عن مستقبل أفضل
يبرز الكاتب ضرورة أن يكون هناك قانون لمحاسبة المخطئين من أجل العبور نحو مستقبل أفضل في دول الربيع العربي. حيث إنه في اليمن، يبرز فريحات عدم وجود قانون للعدالة الانتقالية، وأنه لا توجد مساءلة أو محاسبة، كذلك لا توجد قوانين لإدارة عملية التحول... أما في ليبيا، فإن الكاتب يشير إلى أن هناك مبالغة فيما يتعلق بالمحاسبة أو المساءلة للحد الذي يمكن عدّه انتقاما، وهو ما حدث مع الرئيس الأسبق معمر القذافي، ومحاكمة سيف الإسلام القذافي، وكان هناك قانون للعزل السياسي، واستبعاد بموجب القانون. في حين نجد أن تونس صاغت قانونا للعدالة الانتقالية لم يغفل فكرة المساءلة، وكذلك كان هناك قانون لحماية الثورة، وكان أي عزل سياسي يتم عن طريق قانون العدالة الانتقالية.
ويوضح كذلك أنه من المهم للغاية في أي مصالحة مستقبلية تحقيق الأمن، خاصة في ليبيا واليمن، حيث إن تشابكات الثوار، بعد إسقاط القذافي، أدى إلى وجود دولتين موازيتين، إحداهما الرسمية، والأخرى الثورية. كذلك فإن العدالة الانتقالية أمر ضروري، وذلك من خلال إنشاء "لجان الحقيقة"، يكون هدفها الأساسي الكشف عن حقيقة ما حدث خلال سنوات ما قبل الثورة من فساد وانتهاكات، وكذلك بعد الثورة، مع أهمية إجراء محاكمات عادلة ضمن إطار القانون. حيث إن غياب ذلك يؤدي إلى زعزعة الثقة في الدولة والقانون، مثلما هو الحال في ليبيا، في ظل انتشار العشوائية، والارتجالية، والانتقام. والأمر الآخر المهم هو التعويض، بشقيه المادي والمعنوي، من خلال توفير فرص لتعويض الضحايا وعائلاتهم.
وختاما، يشير الكاتب إلى أن تحقيق السلام الدائم والاستقرار يرتبط بضرورة إيجاد مصالحة وطنية شاملة، من خلال إجراء حوار وطني، وهو ما يصفه الكاتب بأنه بمنزلة جهد مبذول من أجل البحث عن الحقيقة، ومحاولة تعويض أي خسائر متعلقة بالماضي القريب مع أي من الفصائل السياسية أو العسكرية المتناحرة، وهو ما يرتبط بحل إشكالية التعامل مع الأنظمة الشمولية التي قامت عليها الثورات، إضافة إلى طرح آليات مستحدثة تتعلق بالإصلاح المؤسسي، وارتباط ذلك بقدر كبير من الفاعلية، علاوة على بحث وضع المرأة، والمجتمع المدني، وكذلك القبائل والقوى الاجتماعية المختلفة، وهو ما يمكن من خلاله -مع الوقت- تقليل فرص نشوب حرب أهلية، وإحداث الانتقال الآمن في تلك البلاد.