جريدة الجرائد

عبدالله مناع: حوار الدهشة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

علي سعد الموسى   

بالأمس، عاد بنا الزميل الصديق، علي بن محمد الرباعي، إلى أشياء وملامح منقرضة من ألق الحوارات الصحفية، وهو يستعيد إلينا ذكريات أستاذنا الضخم الكبير، عبدالله مناع، فمن هو الذي حمل القلم دون الحلم بنسخته المكررة: هو عبدالله مناع، وهذا يكفي. قابلت عبدالله مناع ذات زمن مضى بصحبة الكبير الآخر، قينان الغامدي، ويومها لم أكن حتى قد كتبت مقالي الأول. وبدهشة "البروليتاريا" التي كانت تسكنني، نظرت إلى ذلك الطول الفارع المكتسي بتلك الأناقة الباذخة لا في نسق ألوان الملبس و"إكسسوارته"، بل حتى في حركة اليدين ولغة الجسد وخيارات الألفاظ حينما يتحدث كشلال هادر. باختصار: شيء من هيبة "البرجواز" التي منعتني حتى من شرب قهوتي خوفا من سقطة "البروتوكول" في حضرة عملاق يشرب قهوته فيداخلك الشك في أنها التي تشربه. لم يكن سلطانا للحرف، بل أيضا إمبراطورا للذوق والأناقة. بالأمس، أعدت قراءة الحوار اللذيذ في الزميلة "عكاظ" بضع مرات قبل قرار الكتابة. كيف يمكن في قراءة وتحليل كل عظام هذا "الهيكل" العملاق دون اضطراب ما بين الصورة المترفة وبين الشخصية القومية اليسارية التي رفضت أن تبقى في العيادة كطبيب، وكما كان التبرير: لست رأسماليا، أنا من الطبقة الكادحة ولا أرى من حق أي صاحب مهنة أخذ فلوس من الغلابى والبؤساء، وبعدها أصبحت اشتراكيا بالواقع فيما بعد. ابتدأ أستاذنا الكبير، مهنة الصحافة في زاوية الرد على رسائل القراء، لأنه وكما قال: خير من يفعل ذلك كيتيم فقير وحيد وغلبان، ولا ينبئك عن أحوال هؤلاء كخبير. هذا اليساري الاشتراكي القادم من عوالم الفقر والبروليتاريا، كما قال في حوار الأمس، هو من أخذ والدته في رحلة خاصة إلى لندن وأدخلها محلات الماركات العالمية في شارعها الشهير "أكسفورد" كرد للجميل، وهنا أرجو ألا يظن أحدكم أنني ألعب مع "أستاذي" بالضرب تحت الحزام، لأنني مع هذه القامة الفارعة بالواقع المادي الملموس بالكاد أستطيع ضرب الركبة. والجواب الذي يمكن لي أن أنزعه من ثنايا ذلك الحوار هو في بعض ما يلي: نحن لم نخلق في هذه الحياة كي نبقى أسرى في مربع الكادحين ومثلث اليسار ودائرة البروليتاريا. هذا هراء ضد طبائع النفس البشرية وفطرتها وضد القانون الإلهي في البناء والاستخلاف. درست شخصيا ثلاث سنوات الابتداء الأول وكنت أذهب لمدرستي البعيدة على ظهر حمار لا زلت أدين له بالفضل الشديد في مسيرة حياتي وبشكر من الأعماق لا يختلف في شيء عن شكري لأستاذي العالمي الشهير "بيتر ترودجل" مع أطروحتي للدكتوراه، فلا تعجبوا من هذا الجمع بين الاثنين لأنني رأيت أستاذي غارقا في الضحك حين قلتها له ليلة وداعي لجامعة البعثة. وكل ظروف صغر التكوين في حياتي إذا ما جمعتها بالكم المعرفي اللاحق في حياتي كانت ستخلق مني شخصا اشتراكيا مكتمل الشروط والأركان. هذه الحياة لا يمكن لها أن تكون لتبقى جامدة في مربع النشأة القديم، وحين أزور مدرستي الابتدائية القديمة من بوابة الذكريات، لا أجد أمامها إلا قطعان الحمير التي استغنت عنها حياة القرى، وربما عرفت أحدها بالشبه من أحفاد حمارنا القديم الذي كنت أذهب على ظهره لذات المدرسة. أنا رحلت لكل فجاج الدنيا وبقيت هي كما هي في ذات المكان، ولك من اللقطة ما شئت من العبرة.
ولو أن أستاذنا العملاق، عبدالله مناع، استسلم لظروف النشأة وتلبس أفكار مربعه القديم ومثلثاته ودوائره لما كان اليوم قدوة أجيال وتمثالا متحركا لكل حامل قلم. 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف