جريدة الجرائد

انتخابات الكويت: التقشف ينعش قلب المعارضة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

 يوسف الديني  

 بدت نتائج انتخابات مجلس الأمة الكويتي على نحو مفاجئ للبعض حين وصل عدد من رموز المعارضة إلى حصد نتائج كبيرة بعد سنوات من المقاطعة التي كانت أشبه بمران طويل على التحشيد والعودة مجددًا في توقيت ذكي، والكويت كما هو حال دول الخليج ترفع شعار «التقشف» على خلفية وضعية الاقتصاد، والحال أن هذا المناخ الاقتصادي مضافًا إليه صعود خطابات الهويّة والعودة للجذور مع بقاء إشكالات المنطقة وتوتراتها في العراق والشام يعني تأثر الناخب في قراره الانتخابي بشكل كبير وربما لا واعٍ، وهو ما يفسر استبدال مجلس الأمة أكثر من 60 في المائة من الأعضاء السابقين مع عودة ممثلي المعارضة بقوة فيما يشبه العقاب الجمعي على إجراءات التقشف، وهو جزء من إشكالات ما يمكن تسميته «الديمقراطية المستنبتة»، حيث تفقد في شكلانيتها الإجرائية عمقها وروحها المتمثلة في التداول العادل للسلطة، إضافة إلى إتاحة الفرص بشكل متساوٍ لجميع أطياف المجتمع وعدم تغول الكتل السياسية الآيديولوجية، سواء المنتسبة للإسلام السياسي كالإخوان، أو الكتل المبنية على فرازة القبيلة أو الطائفية... إلخ أقواس الاستثناء - وما أكثرها - في العالم العربي والإسلامي.
عاد في الكويت الإخوان والقوميون، وحتى أولئك الليبراليون الذين قاطعوا انتخابات 2012، ليشكل عدد ممثلي المعارضة في حدود 24 عضوًا، إذا لم يتم تقليص العدد وفقًا لقانون حظر إنشاء الأحزاب ومراجعة مواقف القادمين الجدد، كما خرج من رهان الانتخابات السلفيون، باعتبارهم النسخة الأضعف في المنطقة بحكم انتمائهم إلى السلفية السياسية أكثر من كونهم ممثلين للسلفية العلمية المحافظة، كما هو الحال مع ممثلي الطائفة الشيعية التي خسرت ضمن سياق مفهوم، وهو التمدد الإيراني في المنطقة الذي يخلق المخاوف الكبيرة لدى المجتمعات الخليجية.
انتخابات الكويت هي انتخابات تقييم الأداء الاقتصادي أكثر من كونها ممارسة سياسية مستقلة، فعجز الموازنة الذي بني على أسعار النفط في حدود 25 دولارًا للبرميل، وهو أقل من السعر الحالي، جعل من الكويتيين إجمالاً يتخوفون من توجه الحكومة إلى رفع الأسعار ورفع الدعم عن السلع وإلغاء الميزات الكثيرة التي يتمتع بها المواطنون كإجراء طبيعي للتقشف والتماشي مع الأوضاع الاقتصادية في بلد يمثل فيه النفط أكثر من 90 في المائة من الدخل القومي.
الانتخابات الاستثنائية لم تكن مفاجئة في نتائجها فحسب، بل حتى في قرار إجرائها بشكل مبكّر قبل نهاية دورة عمل البرلمان السابق التي تنتهي مع نهاية 2017، إلا أن الدعوة المبكرة جاءت بسبب ما وصفه الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت بأنها «تحديات أمنية».
الأكيد أن الوقت ما زال مبكرًا للحكم على الفرصة الجديدة التي منحها الصندوق للإسلام السياسي في الكويت عبر بوابة الإخوان، وربما عدها البعض فرصة ذهبية لإعادة النظر في حالة التمرد على مفهوم الدولة الحديثة وشكلها وأنماطها، بما تعنيه من مفهوم المواطنة للجميع والتعددية والاندماج في السياق المجتمعي العام وإعادة فهم الإسلام كهوية مشتركة وليست طاردة أو منكفئة على نفسها.. هذا التحول في خطاب الإسلاميين يحتاج إلى مدة طويلة، لا سيما بعد تجربة الربيع العربي، كما أنه يستلزم فك الارتباط عن كل خطاب أممي شمولي أو ارتباط تنظيمي بالجماعة الأم، وهو أمر ما زال صعبًا في تجربة الإسلام السياسي في الخليج بعد أن تأخر كثيرًا في ابتلاع تفاحة الخطيئة الديمقراطية دون هضمها بشكل جيد.
وما يترشح في التحولات الجديدة التي يعيشها الإسلام السياسي ما بعد الربيع العربي هو صعود تيار الأسلمة داخل الجماعات الإسلامية المسيسة، مع تراجع التيارات التقليدية التي تحظى بالشرعية عند كوادرها الحزبية التي تدين لها بالولاء العام.
تيار الأسلمة حديث نسبيًا ويشمل تنويعات مختلفة من الدعاة الجدد والمتحولين من الإسلام الحركي باتجاه طروحات أكثر تخففًا من الآيديولوجيا المكثفة لتنظيم الإخوان مع تنويعات اجتهادية في الجانب السياسي أو المدني، وينجح هذا التيار في استقطاب شرائح مختلفة من الجماهير العريضة، التي تدين بالولاء العميق للفكرة الإسلامية في منطقها البسيط، ويمكن أن نفهم الفرق بين التيارين بشكل واضح في تجربة المغرب الذي استطاع إسلاميوه التخلص من فشل وتبعات انهيار الإخوان في مصر وتذبذبهم في تونس وليبيا.
الخلاف السياسي بين تيار الأسلمة والتيار التقليدي يتجلى في مفهوم الدولة، فهي عند الإسلامويين دولة دينية شكلاً ومضمونًا، وإن كان الوصول إليها يمكن أن يمر عبر صيغ سياسية وأدوات غير إسلامية على طريقة أكل الميتة، في حين أن شكل الدولة عند تيار الأسلمة مدني ديمقراطي بعد أن تمت أسلمة الديمقراطية خلال أكثر من ثلاثة عقود من الصراع المرير حول مفهومها وعلاقتها بمفهوم الشورى. تيار الأسلمة يرى أيضًا أن مضمون الدولة الدينية يمكن الوصول إليه عبر أسلمة كثير من الصيغ الاقتصادية والقانونية للمجتمع، ربما كان أقدمها تجربة المصرفية الإسلامية، والآن تجارب حديثة لما يسمى التعددية المدنية والاحتساب المدني وفقه التعامل مع الآخر... إلخ. هذه الأسلمة تشتغل بآليات تلفيقية لا يمكن أن تغير كثيرًا من الواقع، إلا أنها بما يشبه السحر يمكن أن تكسبه الشرعية.
أزمة الإسلامويين وتيار الأسلمة وصراعهم الحقيقي هي حول كعكة الجماهير أو المجال العمومي بحقوله السياسية والاجتماعية والثقافية، لكن إشكاليتهم هي أن مصادر القوة والتلقي رغم كل الحروب الهائلة التي مارسها الجميع ما زالت بيد التيارات غير المسيّسة، كالسلفية العلمية والتقليدية أو تلك التي تدين بولائها للاستقرار السياسي في شكل الدولة، كما أن المناخ السياسي هو مناخ غير استقطابي فأغلب الجماهير في البلدان العربية ملّت السياسة وصراعاتها في ظل الأوضاع الاقتصادية الضاغطة، وهو ما انعكس على حالة من النخبوية الشديدة على كل هذا الحراك، الذي تتركز القوى فيه على الأحزاب الأكثر خبرة وتاريخًا في العمل السياسي والأنجح في التحشيد واستقطاب الناخبين، كما هو الحال مع الإسلام السياسي في العالم العربي والإسلامي.

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف