الإرهاب المسيّس: تضخم دوافع العنف في سوريا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يوسف الديني
يبدو أن الحالة السورية مرشحة لأن تتجاوز كل منعطفات مسيرة الإرهاب المسيس التي عاشتها المنطقة، سواء في أفغانستان والتي كانت منبع إنتاج كوادر الإرهابيين على مفرزة الشعارات الدينية، أو الحالات التي تبعتها بدعوى نصرة المستضعفين والنصرة، وصولاً إلى حالة «القاعدة» والإرهاب المعولم، وليس آخرًا تنظيم داعش الذي نقل مسألة الإرهاب من زاويتها الدينية إلى بوابة السياسة العريضة بما تعنيه من حرب استخباراتية ومعلوماتية بنكهة حداثية بالغة، وبفلسفة عدمية، أنتجت لنا قبحًا لم يسبق للعالم أن تعامل معه، وحتى الآن يعيش تخبطًا كبيرًا في محاولة جر الإسلام كدين إلى مربع العنف العدمي الذي تقوده «داعش» بامتياز، مسببة في صعود خطابات اليمين والشعبوية السياسية بشكل غير مسبوق.
الفشل الكبير لمؤسسات المجتمع الدولي والمساعي الدبلوماسية بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا يؤكد أن الحالة السورية ستصبح بؤرة لإنتاج أجيال من المتطرفين لعقود قادمة، هذه حقيقة لا مراء فيها، وما يحدث في حلب اليوم أخرج مسألة العنف من بعدها الديني والشعاراتي إلى بعد جديد، الإرهاب القائم على دوافع الانتقام والعنف الخام، مشاهد عدمية مؤلمة وبائسة لصراعات دموية وانتهاكات إنسانية على يد نظام الأسد الذي فعل ما لم تفعله حتى الحرب العالمية في نسختيها على مرأى ومسمع من العالم، وفي ظل صمت مدفوع بمصالح سياسة لدول المنطقة.
لا يلام شعب حلب ولا سكانها على هذا التغول في استنبات التطرف، بل حتى في محاولة إرسال نداءات استغاثة لكل الجماعات المتطرفة التي تجاوزت في انشقاقاتها وتنوعاتها الآيديولوجية حاجز الثلاثمائة تنظيم، كلهم يعتقدون أن الرد الأمثل في هذا الإهمال الدولي لحلب يتمثل في العنف فقط وفي الممانعة المسلحة، ويمكن أن نقرأ ذلك بوضوح في المظاهرات الأخيرة المناهضة للمنظمات الدولية والإنسانية واللافتات الموالية لتنظيمات العنف المسلح وهي سابقة نوعية في العالم العربي والإسلامي أن يتظاهر عموم الشعب لاستقطاب عناصر مقاتلة، ورفض أي مساومات سياسية بقيادة المنظمات الدولية، ويأتي هذا بعد أن استخدم «داعش» بذكاء تكنيك توزيع المساعدات الإنسانية لأهالي حلب، في حين عجز العالم عن فعل ذلك.
تجنيد الأطفال معضلة أخرى ستعاني منها المنطقة لعقود قادمة، ويكفي أن نقرأ تقرير لجان الأمم المتحدة حول استخدام الأطفال في النزاعات المسلحة الذي نشر في شهر أبريل (نيسان) من هذه السنة 2016، الذي نص على أن كل الفصائل المسلحة بما فيها الأجنحة التي تقاتل في صف النظام الأسدي الدموي استخدمت الأطفال بشكل واضح وصريح، بدءًا من عمر السابعة فما فوق في الصفوف الأمامية من القتال، أو استخدامهم كدروع بشرية، وارتفعت بسبب ذلك نسبة المجندين من المراهقين في النزاع السوري إلى حدود 25 في المائة خلال هذا العام.
ما يبدو تغولاً روسيًا وإيرانيًا وعلى مستوى ميليشيا «حزب الله»، والذي يروج له الآن في إعلام هذا الحلف المستهدف للشعب السوري على أنه انتصار، ما هو إلا قنبلة موقوتة لاستقطاب مقاومة مضادة من قبل كل التنظيمات السنية المقاتلة التي انتعشت بفعل الانتهاك الروسي لأهل حلب وباقي الأراضي السورية، وهو ما أطلق العنان لنشوء حالة من العنف غير المسبوق في تاريخ المنطقة، ورغم ذلك لم تحسم المعركة في حلب، ولا تبدو أنها في طريقها للحسم كما يروج الإعلام الروسي، لكن حالة العجز الدولي والغياب الأميركي السافر، سيسهمان في تضخم حالة العنف هذه وتدشين مرحلة جديدة من الإرهاب المسنود بقاعدة شعبية للأسف لأول مرة، ما لم تتغير موازين القوى في معركة حلب التي هي معركة سوريا الكبرى، وليس صحيحًا ما تروج له الإدارة الأميركية السابقة من أن ملامح الحل السياسي هي الكفيلة بإنهاء النزاع السوري في حلب رغم وصفها لهذا الحل بأنه صعب المنال!
المعطيات الجديدة التي أفرزتها لنا الأزمة السورية والتي لعب فيها صمت المجتمع الدولي وتباطؤه وتقاعسه عن طرح حلول جادة أو التفكير خارج صندوق المصالح الضيقة تبدو كارثية جدًا، ويوما بعد يوم تزداد الفجوة بين الداخل السوري الذي يحكمه منطق القوة والغنيمة، وبين الخارج الذي يحاول استثمار التقدم على الأرض في سبيل أجندته السياسية، ومن هنا فإن الانفصال بين «الثوار» أو المقاتلين الفاعلين على الأرض، وبين من يتحدث باسمهم في الخارج، يبدو كبيرًا في حالة قد تلقي بظلالها مع بقاء صمت المجتمع الدولي.
نظام الأسد لا يهمه سوى بقاء نفوذه وسلطته مهما كلف ذلك، والهدف يبدو واضحًا في الإبقاء ولو على القسم الشمالي من الساحل السوري، وصولا لحمص التي تعتبر مع ريفها نقطة حاسمة جغرافيا سوريا الأزمة، وهو الأمر الذي لا يمكن إلا أن ينعكس على لبنان، وبالتالي على المنطقة التي تتعرض لفرضية من حالة الانقسام اللانهائية، لكن ليس بفعل تقاعس الدول الغربية فحسب، وإنما بأخطاء فادحة من دول إقليمية ساهمت في معالجة خاطئة ومقاربة مصلحية للأزمة السورية.
الإشكالية الحقيقية التي أفرزها التعاون الأميركي الروسي بشأن ملف سوريا هي محاولة إخراج الأطراف الإقليمية من المعادلة السياسية وبطريقة مستفزة، مع أن الحراك الحقيقي مع بداية الأزمة السورية كان حراكا عربيا، كما أن تصدير الأزمة السورية كان بسبب الموقف التاريخي السعودية ودول الاعتدال العربي، كما أن إيجاد أي مخرج سياسي للأزمة لن يكتب له النجاح في حال تم تجاهل الأطراف الإقليمية، وعلى رأسها الخليج بقيادة المملكة.