«الشاهد المشهود»
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
«الشاهد المشهود» للدكتور وليد سيف، رحلة في عمر مرحلة، ومحطات في عمر رجل. وتنطلق كل هذه المحطات من «الفردوس المفقود»، لكنها لا تعود إليه إلا في الأحلام، التي يتوسلها صاحبها أن تحمل معها صورة من حيفا أو بستان في الجليل أو طولكرم، أو نسمة لم يعد من الممكن العثور على مثل سحرها في أي مكان.
عرف العرب وليد سيف كاتبًا لأشهر المسرحيات والمسلسلات التاريخية. ومن خلالها، قدم فيضًا من المعرفة التاريخية، وأحيا في الذاكرة معاني التاريخ ومقامات التراث، لكن تلك هي المرحلة المتأخرة من سيرة ثقافية نضالية وجودية قومية، بدأت بغواية الشعر (ديوان العرب) وامتدت لتصبح عملاً أكاديميًا وأدبيًا في اتجاه واحد، «الفردوس المفقود».
فيما يزيد على 500 صفحة (دار الأهلية)، يحوّل وليد سيف السيرة المكثفة إلى سرد ساحر. من كل فصل، وربما من كل صفحة، يطل الشاعر والمسرحي مرفقًا دائمًا بمخزونه الأكاديمي الضخم، الذي يستعين به في هذه المذكرات، دورًا أو شاهدًا. إنها تلك الحياة المكرسة، في وعورتها وفي نجاحها، وفي ليلها ونهارها، لقضية واحدة: «الفردوس المفقود».
و«الفردوس المفقود» في آخر المتاهة. غير أن كل ممر فيها هو ممر إليه. مذ كان طالبًا في الأردن إلى طالب دكتوراه في لندن، إلى أستاذ الألسنية في جامعة عمان، كان وليد سيف جزءًا من عمل قومي. هكذا تعرّف باكرًا إلى محمود درويش، ومبكرًا رأى أن محمود ثروة رمزية كبرى، فيما كان العقل العربي المعتل بثقافة المخابرات، ينظر بريبة إلى شاعر الكرمل.
يدوِّن سيف لقاءاته الأولى مع محمود ومع مناضلي الداخل. ولا يرى ضيرًا، وهو الشديد التدين، في العلاقة مع شيوعيي الداخل من العرب، من أجل توحيد الطرق والسبل نحو «الفردوس المفقود». يغلب الأدب على الوقائع، وتتحول المذكرات، عفوًا أو قصدًا، إلى روايات وتأملات ومشاهد باقية، في رسوم الكاتب ومتعة المشاهد.
سيرة حافلة بالأشياء المتوقعة التي لا تبقى عادية عندما يُعاد إليها ويتم تبويبها في فصول، وتوضيبها في باقات، فتصبح حكاية الأيام رواية جميلة وهامة، وتصبح علاقة الكاتب بزوجته وأبنائه، قصة حب عائلي عارم، ونموذجًا للعائلة الفلسطينية المتكاتفة، التي نُبتت من شوك الظلم والشتات، ممرات مزهرة من ينابيع «الفردوس المفقود».