«مجازفة» أخرى في لبنان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خيرالله خيرالله
لم يكن في الإمكان افضل مما كان. ان يكون في لبنان رئيس للجمهورية، قد يكون، افضل من استمرار الفراغ الرئاسي. ان تكون في لبنان حكومة، قد يكون أيضا، افضل من ان يبقى البلد في ظل حكومة تصريف للاعمال.
الأكيد ان الحكومة التي شكّلها الرئيس سعد الحريري ليست حكومة مثالية، بل ابعد ما تكون عن المثالية. هناك دائما رغبة لدى الحريري، تماما كما كانت عليه الحال في ايّام الرئيس رفيق الحريري، في الاتيان بأفضل اللبنانيين الى الحكومة. ولكن ما العمل عندما يكون على المرء التعاطي مع «حزب الله» الذي لا يؤمن بشيء اسمه لبنان والذي يمتلك سلاحا غير شرعي يستخدمه حاليا في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري من منطلق مذهبي ليس الّا، وفي نشر البؤس حيث استطاع في لبنان.
من يضطر الى الجلوس مع «حزب الله» لا يعود يجد مشكلة في ان يكون في الحكومة وزراء من نوع وزير الدفاع يعقوب الصرّاف، المحسوب على الرئيس السابق اميل لحود، الذي لم يستطع في يوم من الايّام إخفاء حقده الدفين على رفيق الحريري من زاوية انّه يسعى الى إعادة الحياة الى لبنان خلافا لرغبة النظام السوري. كذلك لا تعود مشكلة مع وزير العدل الجديد سليم جريصاتي الذي لديه موقف عجيب غريب من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان يلتقي فيه مع موقف المتّهمين باغتيال رفيق الحريري... او الوزير يوسف فنيانوس الذي تولّى حقيبة الاشغال العامة والذي تولّى الدفاع عن ميشال سماحة المدان في قضية المتفجرات التي اتى بها من دمشق الى بيروت لتنفيذ اغتيالات تستهدف رجال الدين السنّة خصوصا.
كلّ شيء يهون من اجل تمرير المرحلة العصيبة التي يمرّ فيها لبنان، وهي مرحلة جعلت العالم يتجاهل وجود البلد على خريطة الشرق الاوسط، خصوصا في ظلّ ما يدور في سورية والمنطقة. صار لبنان تفصيلا في ضوء معركة حلب التي يبلغ عدد سكانها وسكان المناطق المحيطة بها عدد سكّان الوطن الصغير، ان لم يكن اكثر. لذلك كان على اللبنانيين، الذين يعملون فعلا، من اجل خدمة بلدهم تجاوز كلّ الاعتبارات وتقديم كلّ التنازلات، وان في حدود معيّنة، من اجل انقاذ ما يمكن إنقاذه.
لا بدّ في نهاية المطاف من النظر الى النصف المليء من كوب الماء. هناك وزراء يشرّفون الحقائب التي يشغلونها. هؤلاء لم يتغيّروا ولن يتغيّروا. هؤلاء صمدوا دائما الى جانب الحقّ الذي يمثّله سعد الحريري الذي قدّم كل ما يستطيع تقديمه وضحّى بالغالي والرخيص من اجل المحافظة على تراث والده وخدمة لبنان واهله. على رأس هؤلاء الوزراء يأتي نهاد المشنوق الذي صنع فارقاً كبيرا منذ تولّى وزارة الداخلية قبل ما يزيد على ثلاث سنوات واستطاع ان يكون وزير كلّ لبنان. كان وزير كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق، لا لشيء سوى لانّه وزير الداخلية والبلديات، أي انّه وزير مسؤول عن امن كلّ لبناني وعن كلّ بلدية في مدينة وقرية وبلدة في لبنان.
لا بدّ من تمرير المرحلة. هناك وزراء صالحون في الحكومة التي شكّلها سعد الحريري. هناك محاولة واضحة لاشراك اكبر عدد من القوى السياسية في الحكومة التي فرضتها موازين معيّنة للقوى. هذه الموازين التي لا خيار آخر سوى خيار مواجهتها وذلك لمنع ايران من تحقيق ما تريد تحقيقه في لبنان، أي فرض وصايتها على البلد، تماما كما كانت عليه الحال مع الوصاية السورية بين 1990 و 2005 عندما دخل الجيش السوري الى وزارة الدفاع وقصر بعبدا وحوّل البلد الى مستعمرة تُحكم من دمشق وعنجر.
في الإمكان قول الكثير عن حال اللاتوازن داخل الحكومة، وعن وجود وزراء فرضوا فرضا على سعد الحريري الذي كان يفضّل حكومة لا يتجاوز عدد الاعضاء فيها الأربعة وعشرين وزيراً. هذا واقع لا يمكن تجاهله. يظلّ السؤال هل كان على الحريري الاعتذار عن عدم تشكيل حكومة وافشال العهد الجديد قبل ان يبدأ... ام تقديم تنازلات وتضحيات بغية نقل البلد الى مرحلة جديدة تعود فيها المؤسسات الى وضع شبه طبيعي في منطقة لم يعد فيها شيء طبيعي من قريب او بعيد؟
كان الخيار صعباً الى حدّ كبير. ولكن هل كان معقول ترك البلد من دون حكومة بعد تركه سنتين ونصف السنة من دون رئيس للجمهورية؟ ثمّة من سيقول انّه كان من الأفضل عدم انتخاب رئيس للجمهورية، ما دام «حزب الله» يريد فرض شخص محدّد على اللبنانيين ومنع النوّاب من النزول الى المجلس لممارسة حقّهم الطبيعي في انتخاب رئيس. هذا صحيح لولا ان الفراغ الرئاسي كان في حدّ ذاته هدفا لـ«حزب الله» وايران...
ثمّة من سيقول انّ من الصعب الدفاع عن الحكومة. هذا كلام يمكن فهمه. من الصعب الدفاع عن وزراء فرضهم «حزب الله» من اجل تأكيد مدى تضايقه من الثنائي المسيحي الجديد المتمثّل بـ«القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحرّ» ومدى إصراره على السير في مشروع تغيير النظام في مرحلة معيّنة بدءا بالسيطرة على مجلس النواب الجديد. ولكن ما العمل في وقت هناك تخلّ أميركي واوروبي، وعربي الى حدّما، عن لبنان الذي تُرك يواجه وحده العاصفة التي تضرب سورية. هل يمكن ترك البلد من دون رئيس وحكومة من اجل الوصول الى «المؤتمر التأسيسي»؟
في عرضه للأسباب التي دفعته الى تأييد وصول ميشال عون الى الرئاسة، تحدّث الحريري عن «مجازفة». القبول بمثل هذه الحكومة مجازفة أخرى على طريق مواجهة الاستحقاقات التي يبدو البلد مقبلا عليها في المدى القريب. في مقدّم هذه الاستحقاقات القانون الانتخابي الذي يستهدف تقليص عدد نواب «كتلة المستقبل» ومنع المسيحيين من انتخاب معظم نوابهم. هذا هو الهدف المباشر لـ«حزب الله»، وهو هدف جعله يفرض مجموعة من الوزراء المسيحيين على الحكومة الجديدة تحت عنوان «وزراء رئيس الجمهورية».
وحده الوقت سيكشف هل كانت المجازفة في محلّها وهل كانت هناك خيارات أخرى في ظلّ التفتت الذي ضرب «جبهة الرابع عشر من مارس» والانقسامات المسيحية التي يعتبر غياب «الكتائب» عن الحكومة افضل تعبير عنها...
في كلّ الأحوال، لم تكن هناك خيارات كثيرة امام القوى التي ايّدت عون رئيساً وذلك بغض النظر عن مدى سوء الحكومة والقبول بشروط «حزب الله» الذي يعتبر انّه خرج منتصرا من معركة تدمير حلب على اهلها.
بصراحة ليس بعدها صراحة، لم يكن لبنان في وضع يسمح له بممارسة لعبة الانتظار في وقت يظلّ الرهان الايراني على ملء الفراغ، أي فراغ، والاستفادة منه في خدمة مشروع بعيد المدى يستهدف وضع اليد على لبنان. هل تشكيل الحكومة يساعد في التصدي لمثل هذا المشروع ام لا، ذلك هو بيت القصيد ولا شيء آخر غيره؟