قائد الدبلوماسية السعودية في الزمن الصعب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله المدني
أن تقود قطار الدبلوماسية والسياسة الخارجية لبلد مركزي كبير في العالم العربي، وقوة نفطية عالمية مثل المملكة العربية السعودية أمر في غاية الصعوبة. وتزيد الصعوبة عشرات المرات حينما تتطلب تلك الدبلوماسية العمل وسط ظروف دولية معقدة، وتهديدات عدوانية اقليمية من كل صوب.
هذا ما واجهه ونجح فيه باقتدار المرحوم السيد عمر بن السيد عباس بن علوي السقاف في السنوات التي شغل فيها منصب أول وكيل دائم لوزارة الخارجية السعودية، ثم منصب أول وزير دولة للشؤون الخارجية منذ أوائل الستينات وحتى تاريخ وفاته في عام 1974 في فندق «ولدورف استوريا» بمدينة نيويورك عن عمر ناهز الستين على إثر اصابته بجلطة في الدماغ. وبمجرد سماع الملك فيصل بنبأ فقده أحد أبرز مساعديه، نسق جلالته مع المسؤولين الأمريكيين لنقل جثمانه من نيويورك الى جدة فالمدينة المنورة على وجه السرعة ليدفن في البقيع، علمًا بأن طائرة عسكرية امريكية خاصة تولت عملية نقل الجثمان من نيويورك إلى جدة.
والمعروف أن المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز طيب الله ثراه احتفظ بحقيبة الخارجية لنفسه منذ السنوات الأولى لقيام الدولة السعودية الثالثة وحتى وفاته في عام 1975 باستثناء فترة قصيرة في مطلع الستينات تسلم فيها المنصب الشيخ إبراهيم السويل رحمه الله. وبعبارة أخرى، كانت الخارجية من مهام الفيصل حينما كان نائبًا لوالده المؤسس في الحجاز، وحينما صار وليًا للعهد ورئيسًا لمجلس الوزراء، وأيضا بعدما بويع ملكًا خلفًا لأخيه الملك سعود في عام 1964.
مشاغل الحكم الكثيرة وأعباؤها الجسام في زمن التحولات الكبيرة في العالم العربي في ستينات القرن العشرين والسنوات الأولى من عقده السابع، لم تسمح للفيصل خصوصًا مع تقدمه في العمر أن يمارس بنفسه المهام الدبلوماسية وما تتطلبه من رحلات مكوكية ومفاوضات عسيرة واجتماعات مطولة. لذا اكتفى جلالته برسم وصياغة علاقات المملكة الخارجية والاشراف عليها، تاركًا مهمة التنفيذ لشخصية اختارها بعناية.
الشخصية، التي ارتبط اسمها باسم الملك الشهيد وعهده إلى درجة قيل معها إنه أفضل شاهد على عصر الفيصل وأوفى حارس لخزينة أسراره، والتي استطاعت أن تقود سفينة المملكة الدبلوماسية وسط أعاصير المد القومي ومؤامرات الأنظمة الثورية في مصر والعراق وسوريا واليمن للنيل من المملكة، لم تكن سوى عمر السقاف الذي كان عليه أن يصل الليل بالنهار متنقلاً من مكان إلى آخر، ومختتمًا جولة من المفاوضات ليبدأ جولة أخرى وسط أجواء عالمية واقليمية مشحونة بسبب الحرب العالمية الباردة من جهة، وانقسام العرب إلى معسكرين متضادين من جهة أخرى. لذا فإن من يفتش في السجلات المصورة لتلك الحقبة المتوترة من تاريخ العالمين العربي والاسلامي سيجد صورة السقاف بملامحه الصامتة والجادة تتكرر أمامه. فهو حاضر مثلاً في الحرب الأهلية اليمنية بين الملكيين والجمهوريين في ستينات القرن الماضي، وفي أحداث ما قبل وما بعد حرب أكتوبر 1973، وفي أحداث أيلول الأسود العنيفة ما بين الجيش الأردني والمنظمات الفدائية الفلسطينية في عام 1970، وفي القمم العربية المتتالية، وفي رحلات الفيصل إلى الدول العربية والإسلامية من أجل تحقيق فكرة التضامن الإسلامي، وفي قضية فرض الحظر النفطي على الولايات المتحدة، وفي جولات هنري كيسنغر الشرق اوسطية لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وفي الجولات المكوكية الخليجية لإقامة اتحاد تساعي بين مشيخات الخليج قبل اتمام بريطانيا انسحابها من شرق السويس. وبكلام آخر قابل السقاف، بحكم منصبه، كبار زعماء عصره، وحضر معظم مؤتمرات زمنه، وتحدث باسم بلاده أمام اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أكثر من مرة.
لكن من هو السقاف هذا؟
السقاف عائلة عربية من السادة الأشراف العلويين، ينتشر أبناؤها في السعودية والكويت والإمارات والاردن ومصر، بل يتواجدون أيضا بكثرة في دول جنوب شرق آسيا مثل اندونيسيا وسنغافورة وماليزيا وبروناي، لكن تواجدهم الأكبر هو في حضرموت التي بها جذورهم الأصلية.
فمن حضرموت انطلقوا صوب الشرق الآسيوي للدعوة والتجارة وطلب العلم، وهناك تزاوجوا وتكاثروا وتمكنوا من البروز على الأصعدة السياسية والتجارية والاجتماعية، فكان منهم العلماء والأدباء والوجهاء وأصحاب الثروات الطائلة وملاك شركات البواخر الناقلة للحجيج إلى الأراضي المقدسة في مكة والمدينة وتجار الأخشاب وأصحاب العقارات والأراضي الشاسعة ورجال الصحافة والفكر والشعر (السيد أحمد بن عبدالله السقاف والسيد ابن عبيد الله السقاف والسيد محسن محمد السقاف مثلاً). أما في الحجاز فقد قام أبناء وبنات الثري أحمد بن عبدالرحمن السقاف باستثمار الأموال التي راكمها الأخير من نشاطه التجاري والعقاري بسنغافورة واندونيسيا في شراء القصور والوحدات السكنية والأراضي في حقبة حكم الأشراف وما بعدها. كما انفردوا باستيراد الأخشاب من جاوا وبيعها في جدة وسائر المدن الحجازية عن طريق وكيلهم الشيخ سليمان قابل. ومن أملاكهم في مكة مثلا مجموعة قصور السقاف الممتدة على مساحة 2500 متر مربع، والتي تم بناؤها في تواريخ زمنية مختلفة بدءا من عام 1926 على ما يعتقد.
أما السيد عمر السقاف الذي هو محور حديثنا هنا فقد كان ميلاده في حي «العنبرية» بالمدينة المنورة في عام 1913، وفيها التحق بأحد الكتاتيب التقليدية وهو في سن السابعة، فحفظ القرآن وتعلم قواعد اللغة العربية، وفي المدينة المنورة أيضا درس بالمدرسة الأميرية (الناصرية لاحقًا) إلى أن حصل منها على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية وهو في سن الثانية عشرة بتفوق مشهود، بدليل أن ترتيبه كان الأول على مستوى المملكة. وتقديرًا من أمير المدينة المنورة آنذاك عبدالله السديري لتفوق السقاف وكلمته الرائعة الفصيحة في حفل التخرج كافأه بأن خلع ساعته الثمينة وأهداها إياه.
ويخبرنا الزميل منصور العساف في صحيفة الرياض (15/5/2015) أن الذين درسوا السقاف (مثل أستاذه عبدالحي عبدالسلام النقشبندي) أو الذين عاصروه في المرحلة الابتدائية (مثل الأديب عبدالقدوس الأنصاري) أجمعوا على تميزه وتفوقه وجده واجتهاده وحسن تدبيره، بل وثوق معلميه فيه إلى درجة أنهم كانوا يكلفونه ببعض أعمالهم مثل وضع الجداول. كما أن الرجل كان محل ثقة والده بدليل أنه كان يعتمد عليه في بعض الشؤون المنزلية ومتابعة إخوته في تحصيلهم العلمي وترتيب مواعيد دراستهم ولهوهم ونومهم وأداء صلواتهم في الحرم النبوي.
وينقل العساف عن السيدة فاطمة بنت السيد عباس السقاف الشقيقة الوحيدة للسقاف والتي تصغره بتسع سنوات أن شقيقها السيد عمر غادر المدينة المنورة بعد اتمامه الابتدائية متوجها إلى مكة المكرمة التي التحق فيها بمدرسة تحضير البعثات فور تأسيسها، علما بأن هذه المدرسة كانت تدرس المرحتلتين الاعدادية والثانوية بطريقة مدمجة مدتها أربع سنوات للقسم العام (أدب /علمي مختلط). وبالفعل أنهى السقاف مهمته هناك وعاد إلى المدينة بعد أربع سنوات ليفاجأ بأن والده يريده أن يعمل معه في تجارته وإدارة بساتينه وقضاء حاجات ضيوفه الكثر، لكنه تمكن من إقناع أبيه بمواصلة دراسته الجامعية، خصوصًا وأن اسمه كان ضمن أسماء خريجي مدرسة تحضير البعثات المبتعثين للدراسة في مصر، طبقًا لما ورد في جريدة أم القرى في عددها رقم 1023 (6/10/1944).
والثابت أن السقاف انضم إلى المبتعثين للدراسة في مصر وسافر معهم إلى هناك في عام 1944 أو نحو ذلك، لكنه لسبب ما انفصل عنهم واختار أن يكمل تعليمه الجامعي بكلية الاقتصاد في جامعة بيروت الأمريكية. وأثناء دراسته في لبنان كان دائم التواصل والتردد على أهله في المدينة المنورة، خصوصًا بعد استحداث رحلات جوية منتظمة بين لبنان والمملكة. وخصلة التواصل مع أهله والاهتمام بهم كانت من الخصال الحميدة التي ميزت شخصية السقاف على الدوام، فشقيقته فاطمة تقول إنه كان يراعيها ويدللها ويستقطع جزءًا من مصروفه ليعطيها، وتقول أيضا إنه كان بارًا بجده السيد علوي ويقوم بنفسه بطهي «البليلة» (النخي) له وإطعامه بعد هرسها.
بعد عودته إلى بلاده من رحلته الدراسية الجامعية في عام 1948 التحق السقاف كغيره من أبناء النخب الحجازية بوزارة الخارجية التي كانت آخذة وقتذاك بالتوسع من بعد أن كانت مجرد مديرية مقرها مبنى «حارة البحر» في مكة المكرمة حتى عام 1946، أي قبل أن يتم تحويلها إلى وزارة بأقسام متخصصة، وقبل أن تنقل في عام 1949 إلى شارع المطار القديم بوسط جدة، ويعين الشيخ يوسف ياسين نائبًا لوزيرها (الأمير فيصل)، وطاهر حسن رضوان وكيلاً للوزارة. وكانت أول وظيفة شغلها هي «سكرتير ثالث بديوان الوزارة».
وفي عام 1951 بدأ مهامه الدبلوماسية الخارجية في سفارات المملكة في كراتشي وروما وجاكرتا، وصولاً إلى لندن التي شغل فيها منصب القائم بأعمال سفارة بلاده لدى المملكة المتحدة زمن السفير الشيخ حافظ وهبة. وتشاء الظروف في عام 1956 أن تقطع المملكة العربية السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة المتحدة بسبب العدوان الثلاثي على مصر، فيمتثل السقاف وزملاؤه لأمر ملكي بالمغادرة والعودة إلى الوطن. وفي أعقاب عودته الى جدة تم تعيينه في عام 1956 في وظيفة مدير المراسم بوزارة الخارجية بدرجة سفير، ولم تمضِ سوى بضعة أشهر إلا والرجل يرقى، تقديرًا لانضباطه وجهوده، إلى منصب مساعد وكيل وزارة الخارجية بالإنابة.
وفي العام التالي، أي سنة 1957، صدر أمر ملكي قضى بتعيين السقاف كأول سفير للمملكة في أديس أبابا، حيث كان المغفور له الملك سعود قد اتفق مع نظيره الأثيوبي الإمبراطور هيلاسلاسي على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين بلديهما وتعزيزها بتعاون اقتصادي وتجاري، طبقا لما أخبرنا به زميل السقاف في عمله بسفارتي لندن وأديس أبابا السفير «حسن سليمان رضوان» في مقابلة أجرته معه صحيفة عكاظ (14/9/2006).
لكن ماذا حدث بعد ذلك؟ يقول رضوان: «ونحن في أثيوبيا صدر (مرسوم ملكي) باختيار السيد عمر السقاف وكيلاً لوزارة الخارجية فعاد إلى المملكة».
والمعروف أنه تم بعد ذلك ترقية السقاف ليصبح وكيلاً دائمًا لوزارة الخارجية، غير أن صعوده في الخارجية توقف مؤقتًا بأيلولة حقيبتها إلى الشيخ إبراهيم السويل في الحكومة التي شكلها جلالة الملك سعود في عام 1960، والتي لم تستمر طويلاً، ليعود السقاف سريعًا إلى موقعه السابق ويعمل مع الفيصل الذي عينه في العام 1968 وزيرًا للدولة للشؤون الخارجية. وبهذه الصفة الأخيرة قاد السقاف وفود بلاده إلى العديد من الدول العربية والآسيوية والافريقية والاوروبية وأقطار الأمريكيتين لشرح مواقف المملكة العربية السعودية السياسية، بالإضافة إلى الدفاع عن قضية فلسطين في المحافل الدولية بتوجيه مباشر من الفيصل. فقام الرجل بمهامه خير قيام وتفانى فيها باخلاص وأمانة. ويشاء المولى عز وجل أن يكون آخر عمل للسقاف قبل وفاته المفاجئة هو الدفاع عن القضية التي عمل لها كثيرًا بتكليف من معلمه الأول الملك فيصل (قضية فلسطين) من فوق منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السنوية المعتادة.
وقد خصصت صحيفة «نيويورك تايمز» الامريكية مساحة من صفحتها الرابعة والثلاثين في عددها الصادر في 16 نوفمبر 1974 للتعريف بالسقاف ومهماته الدبلوماسية وظروف وفاته، وإن جانبها الصواب حول عمره وقت رحيله. فقد قالت إن طوله ستة أقدام، ويتحدث الانجليزية والفرنسية بطلاقة، وأنه ذو طبع هادئ وحديث رخيم ووجه يغلب عليه مسحة من الحزن، وقدرة فائقة على التأقلم مع العادات الغربية. إلى ذلك تحدثت الصحيفة عن مواقفه السياسية فوصفته بالمعتدلة والمحبذة لتوطيد العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية، مشيرة إلى رحلاته الطويلة حول العالم لنقل رؤى الملك فيصل، ومذكرة بجولته الأخيرة في أقطار أمريكا الجنوبية لتوثيق العلاقات العربية اللاتينية، ولاسيما مع البرازيل.
الكثيرون من الساسة والوزراء والدبلوماسيين الذين عملوا مع السقاف صدموا بخبر رحيله فأبرقوا إلى الفيصل معزين. وكان من بين هؤلاء «كورت فالدهايم» آخر أمين عام للأمم المتحدة تعامل السقاف معه، و«جيرالد فورد» آخر رئيس امريكي استقبل السقاف في البيت الأبيض، و«هنري كيسنغر» آخر مسؤول أمريكي خاض الراحل معه مفاوضات طويلة وصعبه لحل الصراع العربي الإسرائيلي.
يقول الصحافي السوري مطيع النونو في مقال خص به صحيفة الشرق الاوسط (8/10/2012) بعنوان «الملك فيصل وعدم الانحياز.. ملامح وذكريات» إنه كان في عام 1968 في زيارة للسعودية بدعوة من الديوان الملكي لتغطية زيارة شاهنشاه إيران إلى المملكة تلبية لدعوة عاهلها الملك فيصل وردًا لزيارة الفيصل لطهران لبحث قيام التضامن الإسلامي، وأن السيد عمر السقاف دعاه لزيارته في مكتبه بوزارة الخارجية في شارع البغدادية المطل على البحر الأحمر في جدة ليضعه في صورة نتائج زيارة الشاه وما تم الاتفاق عليه بخصوص استقلال وسيادة البحرين طبقًا لنتائج الاستفتاء الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة من خلال مبعوث دولي خاص (السنيور وينسبير جيوشياردي).
ويضيف النونو: «عند دخولي لبهو وزارة الخارجية وجدت على جدار البهو آية قرآنية كبيرة نصها (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير)، وكان سؤالي الأول لمعالي عمر السقاف عن السبب في اختيار الآية القرآنية في القاعة فأجابني (إن مولاي جلالة الملك فيصل منذ أن تولى منصب وزير الخارجية قد اختار هذه الآية لتمثل سياسة الدولة مع دول العالم دون استثناء وتعاون المملكة مع الدول المعتمدة لديها دون انحياز)».
أما الوثائق السرية الأمريكية المفرج عنها في عام 2008 والخاصة بفترة رئاسة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون (1968 ـ 1974) فتعطينا فكرة عن المفاوضات الشاقة التي انخرط فيها السقاف مع وزير الخارجية الامريكي الأسبق هنري كيسنغر لمعالجة تداعيات حرب أكتوبر 1973 على الجبهتين المصرية والسورية وموضوع حظر تصدير النفط السعودي إلى الولايات المتحدة، ناهيك عن أنها تعطينا ايضا فكرة عن الأسلوب الواضح والشفاف الذي كان يدير به السقاف الدبلوماسية السعودية.
فمثلاً في إجتماع عقده السقاف مع كيسنغر في الرياض بتاريخ 8 نوفمبر 1973 تحدث الأول عن رغبة موسكو في إبقاء الشرق الأوسط ساحة متوترة دائمة، بمعنى أنها لا تريد حربا دائمة ولا سلامًا دائما، وذلك اعتمادًا على ما نقله الرئيس السوفياتي الأسبق ليونيد بريجينيف لنظيره الجزائري آنذاك هواري بومدين، ثم نقله الأخير للسقاف. وفي مكان آخر تحدث السقاف عن أخطاء اليساريين العرب التي تدفع ثمنها في النهاية السعودية ويستفيد منها ماليًا الاتحاد السوفيتي، موضحًا أنه «عندما تقصف طائرات اسرائيلية مصفاة نفط سورية، تدفع السعودية تكلفة إصلاحها» وتذهب هذه التكلفة إلى جيوب الخبراء الروس العاملين في سوريا. وفي مكان ثالث توقف السقاف ليقول لكيسنغر بلغة لا تنقصها الصراحة: «نواجه كثيرا من المشاكل من قبل الشيوعيين واليساريين العرب بسبب صداقتنا للولايات المتحدة... حتى عندما اوقفنا تصدير النفط الى الولايات المتحدة، لم يصدق هؤلاء. وسمعنا مذيعا في اذاعة بغداد يقول (لا يمكن أن توقف السعودية النفط عن أمريكا. لابد انها مؤامرة)».
على أن الرجل كان في كل اجتماعاته مع كيسنغر حريصًا على الحق العربي، وعلى استثمار نتائج حرب أكتوبر في تحقيق سلام دائم في المنطقة، ومقايضة رفع حظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة مع إبرام إتفاقية لفك الاشتباك على الجبهة السورية مشابهة لما تم على الجبهة المصرية. ففي اجتماع عقده نيكسون وكيسنغر في البيت الأبيض في 19 فبراير 1974 مع السقاف وإسماعيل فهمي وزير خارجية مصر آنذاك، قال نيكسون للسقاف إن «قراركم بحظر تصدير البترول الينا اثر علينا كثيرًا. أنتما شاهدتما صفوف السيارات في محطات البنزين. ويؤثر هذا علي تأثيرًا شخصيًا. لكننا نقدر على مواجهته، على أي حال. إذا كان أصدقاؤنا يريدوننا أن نبذل جهدًا كبيرًا في تحقيق السلام في المنطقة، نحن نفضل ألا يفعلوا ذلك وهم يرفعون عصا فوق».
فكانت رد السقاف هو أنه لا توجد شروط لرفع قرار حظر تصدير النفط، لكنه استدرك قائلاً: «ليس معنى هذا ألا نتوقع شيئًا من جانبكم. لابد من حدوث تقدم قبل إنهاء الحظر، ولذا نقترح إرسال الوزير كيسنغر إلى المنطقة قبل إعلان إنهاء الحظر من أجل حلحلة الوضع على الجبهة السورية». إذ كان الرجل متمسكًا بمبدأ أهمية سوريا كدولة عربية محورية تتعرض للدمار بسبب الضربات الجوية الاسرائيلية، وضرورة أن يتدخل الأمريكيون لينقذوها، بدلاً من تركها متورطة مع الروس وخاضعة لمشيئتهم.