تخلّف عرب الشمال الحضاري
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
محمد آل الشيخ
قال صاحبي (من المحزن والمضحك في ذات الوقت أن تكون (الجولان) المحتلة من إسرائيل أكثر المناطق السورية الآن أمنا واستقرارا وطمأنينة؛ ففيها يعيش الإنسان السوري كما يعيش الناس قي بقية العالم). وواصل : (هذه الحقيقة المحبطة كما هي على أرض الواقع للأسف). وهنا تبادر إلى ذهني بيتٌ من الشعر يملأه اليأس والإحباط يقول:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا
وحسب المنايا أن يكُن أمانيا!
أن يصبح الاحتلال الإسرائيلي الغاصب أُمنية، طلبا للأمن والاستقرار، والعيش فيه بهدوء وسلام، هي - والله - أم المصائب، وتُمثل واقع عرب الشمال وليس سوريا فحسب، وما أوصلتهم إليه ثقافاتهم الديماغوجية، وشعاراتها اليسارية، التي كانت علاقتها بالواقعية مثل علاقة الصحة بالأمراض والأوبئة. كل دول عرب الشمال ماعدا الأردن، ممزقة منهكة مضطربة متخلفة؛ ونجا الأردن من مآل تلك الدول الغوغائية بسبب واحد مؤداه أنها (دولة ملكية) مستقرة لم يعرف الغوغائيون إلى سلطتها طريقا، فنجَت من الانقلابات العسكرية، ومن أولئك العسكر الذين وصلوا إلى السلطة من على ظهر دبابة، وبالقوة والإكراه، فأوصلوا بلدانهم إلى ما أوصل إليه نظام الأسد في سوريا، حيث الجولان الأسير، هو أفضل المناطق التي يعيش فيه السوريون الآن.
في الخمسينيات والستينيات وأغلب سنوات عقد السبعينيات، كان القومجيون يُسيطرون على السلطة في أغلب دول عرب الشمال، يصفون الأنظمة والشعوب في المملكة ودول الخليج العربي بالأنظمة الرجعية، وبعضهم كان يفرق في قواميسهم (الثورية) بين عرب الماء وعرب الصحراء، فهم كما يزعمون (عرب التقدم) وفي المقابل كانوا يعتبروننا (عرب التخلف)، غير أن هذا الوهم الذي كان يكتنفه التزوير، ما لبث إلا وعصفت به أعاصير رياح الربيع العربي، فعرّت الواقع كما هو وكشفت حقيقته، وإذا بتلك الأنظمة، وتلك الدول، كأنها أعجاز نخل خاوية، في بحيرات من الدماء، وأكوام من جماجم الرجال والنساء والأطفال، حتى أصبح أهل سوريا يحسدون أهل (الجولان ) المغتصب؛ إنها حقيقة تقول الكثير وتحكي عما فعلته الأنظمة القومجية الديماغوجية بشعوبهم المغلوبة على أمرها، حينما خدعتهم بشعارات رنانة، وأنفقت ثرواتهم في شراء العتاد والأسلحة، وعندما جاء الاختبار الحقيقي وإذا بتلك الجيوش، وذلك السلاح، أوهن من بيت العنكبوت.
بعض عرب الشمال، وتحديدا القومجيون منهم، يتحججون في مرافعاتهم الدفاعية عما أوصلوا إليه شعوبهم وبلدانهم بافتقارهم لنعمة النفط، وأن ما ترفل فيه دول الخليج من أمان واستقرار ورخاء، مرده إلى الثروة النفطية وهذا صحيح جزئيا، غير أن الجزء الذي يتعمدون تجاوزه، ويتعامون عنه، أن (العراق) -مثلا - الذي يضرب التشظي والخلاف على كل المستويات أطنابه فيه، هو من أغنى دول العالم (نفطا)، بل إن إنتاجه من النفط يفوق دول الخليج كلها ما عدا المملكة، فلماذا يعاني الإنسان العراقي (النفطي) من كل هذه المصائب والكوارث، ولا يعاني الإنسان الخليجي؟.. السبب مباشرة ودون مواربة الأنظمة والثقافة القومجية، التي ليس للتنمية الاقتصادية الشاملة مكان في قواميسها وشعاراتها، وكل من تجاوز هذه الحقيقة، فقد تجاوز الواقع.
والسؤال الذي يبحث عن إجابة؛ هل سيقتنع عرب الشمال أن (الغوغائية) وبعدهم عن الموضوعية والواقعية هي سبب كل ما يعانون منه؟.. أرجو ذلك.