جريدة الجرائد

داعش وتشويه الإسلام

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

&سطام المقرن

التيار الشعبي العام في المجتمعات الإسلامية يقوم على أساس قشري، ويتحرك بأدوات العقل الجمعي والأسطوري والتقليدي، ومن سمات هذه المجتمعات نظرة القداسة إلى الموروث الديني

صدم المجتمع السعودي من مقطع فيديو الجريمة النكراء الذي يتضمن قيام المنتمين إلى التنظيم الإرهابي المجرم "داعش" بقتل قريبهم الشهيد "بدر الرشيدي"، رحمه الله، وهذه الجريمة ليست الأولى من نوعها فقد سبق قيام أحد الإرهابيين بقتل ابن عمه اليتيم الذي تربى معه في المنزل نفسه، وتساءل الناس إلى أي مدى وصل التوحش والإجرام بهذا التنظيم الإرهابي المجرم، خاصة بعد ترويع وقتل المسلمين في المساجد؟

الذي لا يعلمه كثير من الناس أن التنظيمات الإرهابية تستغل الموروث الديني في غسل أدمغة الشباب، وهناك من يقول إن "داعش" أبعد ما تكون عن الإسلام وسماحته، وهذا صحيح، ولا شك، ولكن الحقيقة المرة التي لا يريد بعض المسلمين الاعتراف بها أن ما تقوم به "داعش" من إرهاب وقتل ما هو إلا تطبيق عملي لبعض النظريات الدينية المتشددة الموجودة في التاريخ الإسلامي.

في المجتمعات الإسلامية عموما، توجد حالة من الإيمان الأعمى بمضمون الروايات الكثيرة الواردة في كتب التاريخ الإسلامي إلى درجة قد تصل إلى حدود الخرافة وقبول كل ما ورد في التراث الديني من أساطير، حتى إن المسلم العادي لا يتجرأ على التشكيك في رواية ضعيفة أو حتى كاذبة.

فالتيار الشعبي العام في المجتمعات الإسلامية يقوم على أساس قشري، ويتحرك بأدوات العقل الجمعي والأسطوري والتقليدي، ومن سمات هذه المجتمعات نظرة القداسة إلى الموروث الديني، وكون الدوافع لهذا السلوك تنطلق من منطلقات نفسية بحتة لا تنفتح على الدين الإسلامي من موقع العمق الفكري والروحي، ولا تمثل أي بعد عقلاني في واقع الممارسة العملية، حيث يتحرك المسلم فيها من موقع الجبر والفرض الاجتماعي واتباع آراء رجال الدين، فحينما تقول له إن هذه الفتوى أو هذا الحكم الفقهي يخالف العقل والمنطق أو يخالف الإنسانية، تكون الإجابة أن العلماء يقولون ذلك فهل أنت أعلم منهم؟!

لنأخذ قصة قتل الأقارب، كنموذج تحليلي على استناد التنظيم المجرم إلى الموروث الديني واستغلاله في اصطياد الشباب والمراهقين، فقد ذكر بعض المفسرين في معنى قوله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا)، أن سبب نزول الآية :"الصحابي الذي روي أنه قتل أباه هو: أبوعبيدة عامر بن الجراح، رضي الله عنه، والذي ورد أنه قتله في غزوة بدر، روى الطبراني والحاكم والبيهقي أن أبا عبيدة قتل أباه الجراح يوم بدر، جعل يتصدى له، وجعل أبوعبيدة يحيد عنه، فلما أكثر قصد إليه أبوعبيدة فقتله".

وفي هذا الصدد يقول الصالحي (ت 942 هـ) "وفي هذا: العلمُ العظيم والبرهان النَيِّر من أعلام النبوة، فإن العرب كانت أشد خلق الله حميّة وتعصبا، فبلغ الإيمان منهم ونور اليقين من قلوبهم إلى أن يرغب الرجل منهم في قتل أبيه وولده، تقربا إلى الله تعالى وتزلّفا إلى رسوله، مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أبعد الناس نسبا منهم".

وعلى هذا الأساس، يتم خداع الأغبياء من الشباب بنقل مثل هذه الروايات وتحفيزهم على قتل الأقارب، خاصة من المنتسبين إلى الجيش والشرطة، لأن هذه الطريقة أسهل للوصول إلى هؤلاء بحكم القرابة والنسب والثقة بينهم، فلا يمكن أن يتخيل الإنسان أن يغدر به أخوه أو ابنه أو ولد عمه أو قريبه.

وبالرغم من أن الرواية التي يقول عنها البعض إنها سبب نزول الآية القرآنية السابقة فإن علماء الدين يعتبرونها حديثا مرسلا، والمرسل من قسم الضعيف على الصحيح، ناهيك عن اختلاف العلماء في تفسير الآية نفسها، وليس هذا وحسب، بل إن تلك الرواية تتناقض مع قوله الله عزّ وجل (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً)، والسؤال المطروح هنا: هل يمكن تجديد مفهوم الولاء والبراء؟

بعد ذلك يتم نقل بعض الفتاوى الصادرة عن بعض رجال الدين إلى هؤلاء الشباب، ومن أمثلة تلك الفتاوى: أحدهم يسأل أحد رجال الدين عن حكم العمل في الشرطة، علماً بأنه توجد مخالفات شرعية، مثل التحية للمسؤول والقيام له عند الدخول؟ فكانت إجابة الشيخ كالتالي: "ننصح كل مسلم يخشى الله عزّ وجل ويتقيه ألا يوظف نفسه في مثل هذا، وذلك لقوله تعالى: (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، وجاء في الحديث الشريف: "فلا يكونن عريفا، ولا شرطيا، ولا جابيا، ولا خازنا".. وحديث "سيكون في آخر الزمان شرطة يغدون في غضب الله ويروحون في سخط الله".

ثم تتوالى بعد ذلك فتاوى تتعلق بحكم المسلم الذي ينضم إلى جيش حكومة علمانية لا تحكم بشرع الله. وفي نظر البعض فإن جميع الحكام في العالم الإسلامي يتصفون بذلك فهم شرعوا أنظمة وقوانين تخالف شرع الله، إذ تحلل ما حرم الله وتحرم ما أحله، ومن هنا تبدأ عمليات غسل الأدمغة! والسؤال المطروح هنا: كيف يتم حفظ الأمن داخل الدولة وحمايتها من أعداء الخارج دون الشرطة والجيش؟

لا شك أن مواقع التواصل الاجتماعي هي وسيلة "داعش" في اصطياد الشباب والمراهقين، والمطلوب في هذه المرحلة التصدي لهؤلاء من خلال هذه المواقع، عن طريق نشر الفكر الديني الحر، وتجديد المفاهيم الدينية القديمة ونقد الموروث الديني بشجاعة حتى لا يقع الشباب فريسة للتنظيمات الإرهابية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
Here are some thoughts
Salman Haj -

Not only Daish but many Muslims everywhere are contributing to tarnishing the image of Islam... ... Quran and Hadith contain irreconcilable contradictions resulting excessive irreconcilable interpretations. . The same is true about the history of Arab and Islam written by Arab and Muslims. Dear elaf moderator, do you find the preceding to offensive to publish. .. And why have comments on elaph dried up?