دعوا سقف الحرية.. اهتموا بالمضمون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
&أيمـن الـحـمـاد
جدلية العلاقة بين الإعلام والحرية ارتبطت في أساسها بمسألة التعبير، إذ جاء الإعلام منذ وقت مبكر ليقدم نفسه كأداة اتصالية تمنح المرسل قدرة على إرسال رسالته لأكبر جمع من الناس، ومن خلال تلك القدرات حفزت وسائل الإعلام المجتمعات على التحدث بصوت مسموع مانحة إياهم ضمانات بوصول أصواتهم وآرائهم حيث لا يمكن لأحد غيرها أن يؤدي تلك المهمة.
وقد تعدت وسائل الإعلام مفهوم إيصال الرسالة أو الرأي، إلى قدرتها على تحمّل تبعات هذه المهمة، وبذلك دخلت تلك الوسائل مرحلة ومنعطفاً دقيقاً بين من يستطيع تحمل مسؤولية محتوى الرسالة وإذاعتها وبين آخر لا يمكنه القيام بتلك المهمة، ولعل تلك المسألة قد أدرجت في قاموس الصحافة ما سمي سقف الحرية.
وقد أصبح هذا المصطلح (سقف الحرية) معياراً مهماً لتصنيف الصحف ووسائل الإعلام، لكن هذا المصطلح يعيش أزمة على مستوى مفهومه، فجمهور وسائل الإعلام يرى أن قدرة الصحافة وباقي الوسائل في نشر المثير من الاخبار والتقارير والحوارات والقضايا تعني أن تلك الوسيلة تحظى بسقف عالٍ، وبقدر ما يكون لتلك الوسيلة الإعلامية القدرة على الاستمرار في النشر بمزيد من الجرأة يرتفع ذلك السقف، وهذا أفرز تنافساً بين وسائل الإعلام التي بدأت تقدم نفسها باعتبارها صاحبة السقف الأعلى، وبدون أن تشعر تلك الوسائل وجدت نفسها قد فقدت المهنية، وأضاعت رصانتها بعدما تحوّل ذلك السقف إلى محاولة تسويقية بحتة، هذا الطرح نجده رائجاً في الدول النامية بشكل عام، وغير موجود بشكل واضح في صحافة العالم الأول، لماذا؟
لأن دول العالم الأول استطاعت التفريق بين ما هو مشوّق وماهو مثير؟ فتشويق القارئ باستخدام لغة إعلامية راقية، ومفردة رشيقة، وتساؤلات حاذقة وفريدة، ومضمون رصين وإبداع على مستوى التنفيذ، كلها أوجدت ما نراه اليوم من إعجاب نبديه وثقة نوليها وتأثيراً دولياً لتلك الوسائل التي لم تهتم بارتفاع سقف الحرية بل بمعالجة المضمون باحترافية على أقل تقدير في ما يتعلق بالطرح المحلي الخاص بها، بعيداً عن ذلك الطرح الخارجي والذي قد يخضع في بعض الأحيان إلى أجندة الممولين لتلك الوسيلة أو تلك الدولة، ولذلك استطاعت تلك الوسائل الخروج من جدلية حرية التعبير من بوابة المضمون والذي قد يكون موجهاً ومسيساً لكن بطريقة احترافية، لأنها أيقنت أن للحرية حدوداً سياسية واجتماعية وثقافية، فحرية التعبير كما يقول هربرت شيللر كائن أسطوري، وكثير من القصص الإخبارية قد منع النشر فيها على مستوى الصحافة الاميركية على سبيل المثال بحجة مصلحة الأمن القومي.
المشكلة أن وسائلنا الإعلامية أغرقت كثيراً في محاولة الاجابة عن سؤال واحد، كيف نصل أو نرفع سقف الحرية، وصممت رسالتها ومحتواها الإعلامي على هذا الأساس، لذا يخرج لنا في بعض الأحيان ممارسات إعلامية لا مسؤولة وطائشة وغير جاذبة وسطحية في إثارة تساؤلاتها، ولا يمكنها أن تؤثر إلا من بوابة الإثارة الساذجة وليس من بوابة التشويق المرتبطة بمهنية المضمون والاحترافية الإعلامية.
إن الحرية في الإعلام باتت أمراً واقعاً لعدة اعتبارات أبرزها الثورة التكنولوجية والعولمة بمفهومها الواسع، لذا فإن الجدال حولها مضيعة للوقت حتى النظريات الإعلامية التي طرحت في هذا المجال نشأت في بيئة سياسية وإعلامية معينة وفقدت أهميتها لأن الإعلام تغيّر.