«وثائق بنما».. أيّ لعبة جديدة؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
&كمال بالهادي
قبل أيام، زار الرئيس الأمريكي باراك أوباما، العاصمة الكوبية هافانا، في حديث تاريخي غير مسبوق، ولكن وسائل الإعلام الأمريكية، اهتمت عند عودة الرئيس، بما قالت إنه استجواب للرئيس، الذي كان يحمل معه علبة سجائر كوبية، التي يمنع ترويجها في الولايات المتحدة، بسبب الحصار الاقتصادي المفروض على هافانا. وطبعاً، حرصت وسائل الإعلام، على إظهار أنْ لا أحد فوق القانون، في الولايات المتحدة، بما في ذلك الرئيس الذي يقود أكبر قوة عالمية. فمحاربة الفساد تبدأ من فوق وليس من تحت.
وغير بعيد، عن كوبا، كشفت الوثائق المسربة، والتي سميت &"أوراق بنما&"، عن عمليات فساد كبيرة، تورط فيها كثيرون من رجال السياسة والأعمال وشخصيات عالمية معروفة. ورغم حجم الوثائق الذي يعد الأكبر في التاريخ، وهو يتجاوز 11 مليون وثيقة، فإن المتابعين قد لا يجدون شيئاً جديداً، عندما يتعلق الأمر بالحديث عن الفساد في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، أو في مناطق أخرى من العالم مثل آسيا أو إفريقيا، وعندما تكون هذه الوثائق شهادة براءة بالنسبة للدول الأوروبية وأمريكا. هذه الوثائق تثبت التقارير التي تصدرها سنوياً منظمة الشفافية الدولية، عن مؤشرات مدركات الفساد.
لابد من التأكيد، على أن هذه الوثائق، قد حصلت عليها صحيفة ألمانية قبل نحو عام كامل، واستدعت صحفيين من مختلف الدول، وباشروا بتحليل المعطيات، لتبدأ عملية النشر، يوم الأحد الماضي. ولعله من المفيد التذكير بأن نشر الوثائق، يحظى باهتمام عالمي في المرة الأولى، ثم يتراجع الاهتمام، حتى لا يكاد يحظى بأي متابعة. كذلك حصل مع تسريبات موقع ويكليكس، والذي كان لتسريباته غايات معينة نجح في تحقيقها خلال الأيام الأولى.
وثائق بنما ركزت في قائمتها الأولى على دول بعينها، وهي دول يُثار حولها الكثير من الكلام، وربما يقع التخطيط لمستقبلها في غرف سرية. فمثلاً يقع الاهتمام بروسيا. ولا نستغرب وجود روسيا واستهداف فلاديمير بوتين، لأن الأمر جد واضح، ففي لعبة الخلافات الدولية، تصبح كل الوسائل متاحة في هذه الصراعات.
إن هذه الفقاعات الإعلامية، لا تهدف إلّا إثارة البلبلة في دول بعينها. وهي لا تهدف إلى أن تستعيد تلك الشعوب أموالها المنهوبة التي يُفترض أن يكون كبار الفاسدين في العالم، قد هربوها إلى ما يعرف بالجنات الضريبية، وهي في الأصل جزر شيطانية. وحتى عندما يقع اكتشاف أرصدة في بنوك أو لدى دول تدعي الشفافية المالية، فإن تلك الأموال لا تقع إعادتها للدول المتضررة. ألم يصرح أكثر من مسؤول حكومي في تونس بأنه لا يوجد تعاون من طرف دول العالم، فيما يتعلق بملف استعادة الأموال المنهوبة؟ لكن التجارب السابقة أثبتت ضلوع الكثير من التونسيين، في عمليات فساد ونهب للثروات الوطنية، ولكن لم تتم محاسبتهم، ولم تتم استعادة تلك الثروات. الأمر يعود إلى عهد مصطفى خزندار ومحمود بن عياد، وصولاً إلى عهدي بورقيبة، وبن علي، حين كانت الحاشية تلهف من الثروات ما لا يحصى ولا يعد. وإذا عدنا للتاريخ القريب، فإن حجم الثروة التي نهبت في عهد الرئيس المخلوع تصل إلى 25 ألف مليار (13 مليار دولار) أي ما يوازي ميزانية الدولة. لكن الذي وقع استعادته ليس سوى رقم ضئيل، والأسباب طويلة ومعقدة.
الحديث عن مكافحة الفساد، لا يبدأ من تعقب من هرّبوا أموالهم إلى الخارج، لأن هؤلاء عندما ينجحون في ذلك فإن لديهم القدرة على مسح أي أثر يمكن أن يصل إليه القضاء، ولا أدل على ذلك من أن الجميع يتحدث عن فساد حاشية بن علي، ويعرف أيضاً أن الفساد كان موجوداً، لكن أغلب الرموز خرجت، دون أن يثبت ضلوعها في الفساد. وهي الآن تمتلك شهادات براءة، تثبت نظافة يدها، رغم أنها غارقة إلى الذقن في الفساد.
الخبير الاقتصادي الألماني أرنست وولف، قال في تصريح لشبكة &"سبوتنيك&"، إن تريليونات الدولارات ستتوجه إلى الولايات المتحدة التي تسعى حالياً للتحول إلى ملاذ ضريبي كبير جديد. وأضاف، أن فضيحة بنما لم تمس أي شركة أمريكية، ولذلك فقد تكون جزءاً من استراتيجية أمريكية. وقال، بعد فضيحة وثائق بنما، حتماً، سيقوم أفراد وشركات بنقل أموالهم إلى الولايات الأمريكية، ونوّه الخبير إلى أن الحديث يدور عن مبالغ تصل إلى 30 - 40 تريليون دولار. أمّا الشعوب التي نهبت، فلن تحصل على شيء من تلك الأموال الطائلة، بل ستجد نفسها مضطرة للتداين، لتعويض تلك الأموال المنهوبة.