هل تمكّن الكرملين من تشتيت المعارضة الروسية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
&علي شرف الدين
تترقب روسيا في أيلول (سبتمبر) المقبل انتخابات هي الأولى منذ الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت عقب الدورة الانتخابية السابقة أواخر 2011 (ولاية المجلس 5 سنوات). وشابت الانتخابات السابقة مخالفات قامت بها السلطات، وتجاهلتها الهيئات الرقابية والقضائية. دتتحضر المعارضة الروسية الديموقراطية في شكل لافت للانتخابات، وتعدّ العدة لها، فهي جمعت قواها تحت لواء حزب &"بارناس&" (حزب حرية الشعب) الذي يرأسه رئيس الحكومة السابق، ميخائيل كاسيانوف. وانضوى في الائتلاف معظم القوى المعارضة الليبرالية التي لا يحق لأحزابها المشاركة في الانتخابات، ومنها &"بروغرس&" (التقدم)، الذي يرأسه المعارض البارز ألكسي نافالني، وحزب &"الخيار الديموقراطي&" برئاسة فلاديمير ميلوف (14 حزباً اتحادياً يحق لها المشاركة من دون جمع تواقيع). وعليه، صار في إمكان هذا الائتلاف تخطي عتبة الـ5 في المئة من الأصوات للدخول إلى البرلمان.
أمّا القرار الأهم لهذا الائتلاف فهو إجراء انتخابات تمهيدية داخلية تحدد نتائجها مواقع المرشحين في ترتيب لائحة الترشيح. وأجمع الائتلاف على استثناء كاسيانوف من الانتخابات التمهيدية، وترؤسه اللائحة.
وبالطبع، لم يكن متوقعاً في بلد المحاكم السوريالية، حيث يُحاكم نشطاء على آرائهم في مواقع التواصل الاجتماعي، أن يمر تشكيل ائتلاف معارض مرور الكرام. وبدأت تصيبه الضربات، منذ شهر تقريباً، حين عرضت قناة تلفزيونية عامة وأساسية ضمن برنامجها الفضائحي ما سمّته &"يوم كاسيانوف&": وبثّت فيديو التقطته كاميرا خفية في فندق كان رئيس الوزراء السابق كاسيانوف يقيم به، حيث يظهر في الفيديو في أوضاع حميمة مع ناشطة في حزبه، وهما يتحدثان عن العلاقة بين قادة المعارضة، ومنهم نافالني الذي لم يستثنَ من الانتقادات. بعد هذا الحادث طالب قادة المعارضة كاسيانوف بالتنحّي عن رئاسة لائحة مرشحي الائتلاف، وهو ما رفضه الأخير، فانسحب معارضون من الائتلاف، وخسروا إمكانية المشاركة ما عدا الدوائر الفردية.
لم يكد ينتهي هجوم الكرملين عبر قنواته الإعلامية السامّة على كاسيانوف حتى تبعه بعد أقل من أسبوعين فيلم آخر، طاول هذه المرة نافالني، ويتهمه بأّنّه عميل للاستخبارات البريطانية ومتورط في مقتل المحامي الشهير سيرغي ماغنيتسكي، والذي قُتِل أثناء احتجازه. إلا أن الشكاوى التي تقدّم بها نافالني ضد الفيلم بتهمة الإساءة لشخصه والكذب وتلفيق التهم، رُفضت في 7 محاكم روسية، إذ لم تجد أي محكمة منها شيئاً غير قانوني في الفيلم المذكور، المخصص بأكمله لبثّ ما يصفه نافالني بالافتراءات الخبيثة والرخيصة التي تقوّض حريته الشخصية، وتحول دون دفاعه عن رأيه ونفسه مجدداً أمام المحاكم.
وكثير من الأحداث في روسيا اليوم أغرب من الخيال. فالتزلّف إلى السلطة منتشر في مؤسسات الدولة، وبلغ مبلغاً صارت فيه المحاكم، أشبه بأوركسترا موحّدة تنشد نغمات تعسفية موحّدة، وتقدّم للرأي العام أسباباً غير منطقية في تفنيد قراراتها.
ولكن، ما هي حال الدولة، وأدواتها، إذا كانت تستعمل أساليب لا داعي لنقول إنها غير ديموقراطية أو جائرة بل غير قانونية للتنصت وتصوير خصومها وهم في مخادعهم الليلية؟ ألهذه الدرجة اشتد بها اليأس؟ أم أن الموظفين من الدرجات الأدنى لا شيء لديهم سوى تملّق مرؤوسيهم عبر العمل على دحر &"أعداء الدولة والوطن والطابور الخامس&"، كما يوصَف المعارضون 10 مرات في اليوم تقريباً، أو تلفّق ملفات ضدهم، للحصول على رضا الأسياد. ولا يمر يوم من دون أن يقدم ناشطون ضد الفساد، وعلى رأسهم، صندوق محاربة الفساد التابع لنافالني، أدلة على وجود إثراء غير مشروع وأموال مسروقة، ودعك هنا من &"أوراق بنما&" التي تكفي لتكون فصلاً قائماً بنفسه. ولكن، على رغم هذه الإثباتات التي يقدمها الناشطون فإن الهيئات القضائية لا تتحرك ولا تهتم، ولا يشغلها غير مواجهة نشاط معارض.
واليوم، وبعد انفراط الائتلاف المعارض، لم يبقَ على الساحة المعارضة غير حزب كاسيانوف &"بارناس&"، وحظوظه معدومة. وحزب &"يابلوكو&" الليبرالي العريق والذي يلقى قمعاً أقل حدّة من السلطات باعتبار أن قاعدته الشعبية معروفة ونشاطه مستمر منذ عهد الرئيس بوريس يلتسن. ويتخوف الكثيرون من المتابعين أن تتناثر الأصوات بين الفريقين، ما يقضي على حظوظ المعارضة بالتمثُّل في البرلمان. وصدرت نداءات لدعم حزب &"يابلوكو&" كونه الأوفر حظاً، لكن لا مؤشرات إلى انسحاب كاسيانوف من المعركة، أو إلى صوغ صيغة ملائمة بين المعارضين تضمن عدم تشتيتهم للأصوات في ما بينهم. في هذه اللحظة الحاسمة، يعلم الجميع أن مشكلة المعارضة الرئيسية يجب ألا تتمثل بتشكيل الائتلاف أو الاتفاق على تقاسم لوائح الترشيح. فالمشكلة الأهم هي تجاوز عقبات السلطة والتي ستكون هائلة وماكرة وتعسفية. اليوم يبدو أن السلطة نجحت في شل عجلة المعارضة الديموقراطية قبل انطلاقها. لذا، على المعارضين إثبات جديتهم للحؤول دون تحوُّلهم إلى معارضة تشبه السلطة، أي تدّعي شيئاً وتعمل بخلافه. وهذا أمر مصيري.