«تعويذة ترامب» في سياسة الطاقة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
جيفري كمب
في السادس والعشرين من شهر مايو الماضي، وفي إحدى مدن ولاية «داكوتا الشمالية»، ألقى مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية المقبلة دونالد ترامب خطاباً مطوّلاً عرض من خلاله للخطوط العريضة لما أسماه «الخطة الأميركية الأولى في قطاع الطاقة». وكان المحور الأساسي لخطابه المكتوب بعناية يتعلق بإلغاء معظم القيود والمحظورات المعتمدة في قطاع الطاقة بشكل عام، وتلك التي تقف حائلاً أمام تطوير صناعة إنتاج الغاز الطبيعي والفحم الحجري والتي بقي أصحاب القرار في الإدارات الأميركية المتعاقبة يلتزمون بها، وخاصة منهم المدافعين عن البيئة في الإدارة الحالية للرئيس باراك أوباما ودعاة التصدي لظاهرة التغير المناخي. وحذّر ترامب من أحاديث أوباما المتكررة حول اعتزامه العمل على وقف إنتاج البترول والغاز الطبيعي في أميركا، وعن توجّه هيلاري كلينتون نحو إغلاق مناجم إنتاج الفحم كلها.
ولخص ترامب الأهداف التي يسعى إليها في هذا المجال بعبارة واحدة حيث قال: «نهدف إلى تحقيق الاستقلال التام للولايات المتحدة في مجال الطاقة، وإلى أن يتم التعامل مع السيادة الأميركية في هذا المجال باعتبارها هدفاً استراتيجياً واقتصادياً يرتبط بالسياسة الخارجية. وسوف نصبح وسنبقى مستقلين تماماً عن الحاجة لاستيراد مصادر الطاقة من دول منظمة أوبك أو أي دولة أخرى تقف ضد مصالحنا. وسوف نستخدم عوائد إنتاج مصادر الطاقة لإعادة بناء مدارسنا وطرقنا وجسورنا وبقية البنى التحتية. وسوف نزيل كل أثر للبيروقراطية عن طريق الإبداع والابتكار، وبهذه الطريقة سوف نتمكن من تطويع كل أشكال مصادر الطاقة».
وتحدث ترامب عن اعتزامه الطلب إلى شركة «ترانس كندا» إعادة تقديم عرضها لتمديد خط أنبوب كيستون لنقل النفط من كندا إلى خليج المكسيك في الولايات المتحدة. وكان من أخطر ما قاله ترامب حديث عن اعتزامه الانسحاب من اتفاقية باريس المناخية، وبأنه سوف يوقف تسديد الدفعات المالية التي تترتب على الولايات المتحدة لمصلحة برامج الأمم المتحدة حول الاحترار الأرضي والتي تتم جبايتها من أموال دافعي الضرائب الأميركيين.
وجاءت ردود الأفعال على هذا الخطاب على النحو الذي كان متوقعاً. وعبرت جماعات الضغط واللوبيات المؤيدة لتنمية وتطوير قطاعات صناعة الوقود الأحفوري، بمن فيها صناع القرار في «معهد بحوث الطاقة» الذي اقتبس منه ترامب فكرة وقف العمل بإجراءات حظر إنتاج النفط والغاز الطبيعي وتطوير صناعات استخراجها ومعالجتها والتصدي للدعوة لإغلاق مناجم الفحم، عن تأييدها لسياسة ترامب.
إلا أن الباحثين الحقيقيين العارفين بمداخل أسواق الطاقة العالمية ومخارجها يقولون إن كل ما يقوله ترامب فيما يتعلق بسياسة الطاقة هو مجرّد هُراء لا معنى له، وبأن ترامب لا يفهم شيئاً عن الآلية التي تعمل بموجبها الأسواق. والآن، لم يعد هناك شك في أن الولايات المتحدة تمتلك مصادر طاقة متنوعة. وفي الحقيقة، وخلال السنوات الست الماضية، كانت تقنيات المعالجة الحديثة وراء إنتاج مليارات الأقدام المكعبة من الغاز الطبيعي. وهي التي ساهمت في تحقيق قفزة نوعية في الإنتاج وتخمة في المعروض منه في الأسواق، إلا أنها كانت مترافقة مع انخفاض محسوس في أسعاره. ولهذه الأسباب، أصبح الغاز الطبيعي هو الوقود المفضل في محطات توليد الطاقة الكهربائية في الولايات المتحدة، وكان هذا التطور المهم كافياً لدفع العديد من شركات إنتاج الفحم الحجري لإغلاق مناجمها. وعلى نحو مشابه، يقف فائض المخزون العالمي من النفط وراء انخفاض أسعاره إلى مستويات متدنية للحدّ الذي دفع المنتجين في ولاية «شمال داكوتا» –التي كان ترامب يلقي فيها خطابه- إلى صرف الآلاف من موظفيهم وعمالهم من الخدمة، وباتوا اليوم يعانون من حالة البطالة.
ومن المعروف أن إنتاج النفط من أميركا الشمالية وأوروبا وروسيا ذو تكلفة أعلى بكثير من تكلفة إنتاجه من حقوله في خليج المكسيك. وأي سعر دون مستوى 50 دولاراً للبرميل يمكنه أن يضع المنتجين الأميركيين في دائرة خطر.
وحول تبجحات ترامب بأنه سوف ينسحب من اتفاقية باريس المناخية، فإنه يتوجب عليه الأخذ في حسبانه بأن 177 دولة وقعت على هذه الاتفاقية، بما فيها الولايات المتحدة وكندا، وهما أكبر دولتين في العالم من حيث مساهمتهما في إطلاق الانبعاثات الغازية الكربونية الضارة بالبيئة. وقد لا تختلف تبجحات ترامب حول سياسة الطاقة عن تلك التي أطلقها عندما طالب المكسيك بدفع التكاليف المالية لبناء الحائط الطويل الذي يريده أن يفصل بين البلدين للحد من ظاهرة الهجرة غير القانونية، كما لا تختلف عن تصريحاته المتسرعة بدعوة اليابان وكوريا الجنوبية لامتلاك الأسلحة النووية للدفاع عن نفسيهما بدلاً من الانضواء تحت المظلة النووية الأميركية.
ويمكن لكل هذه التصريحات والأطروحات الغريبة التي يطالعنا بها ترامب كل يوم، أن تفسر لنا أسباب خوف الأميركيين بشكل خاص والعالم بشكل عام من العواقب والتداعيات الخطيرة التي يمكن أن تنجم عن وصول ترامب إلى البيت الأبيض.