جريدة الجرائد

الفتح والتمكين بين الرباط والقاهرة

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

&&عبداللطيف وهبي

&التقيت وصديقي المصري، مازال صحفيا مشاغبا يتجنب الإسلاميين و يحب النقاش، كان خان الخليلي بالقاهرة يعج بالحاضرين أكثرهم مصريين وغاب عنه السياح، الجو كان هادئا ومريحا، جلسنا ونحن نداعب مخيلاتنا حول مصير الوطن العربي بعد كل ما وقع، وبعد مدة وجيزة انتفض في وجهي قائلا: كيف تتحملون أن يحكموكم أصحاب اللحى في بلدكم؟.&

نظرت إليه مبتسما وأجبته: من فضل السماء على السياسة أن يحكمك ذوي اللحى الصغيرة على أن يقطعوا رأسك وهم في السلطة ذوي اللحى الكبيرة.&

أجابني: وهل الفرق بين الإسلامي و الداعشي هو بعض السنتمترات في طول اللحى؟&

كان مشمئزا لدرجة الانفعال وأردف قائلا: إنهم لا يطاقون ووثائقهم تؤكد أنهم ذوي نيات سيئة.&

ابتسمت في وجهه قائلا: ومن هم ذوي النيات الحسنة في السياسة؟.&

نظر إلي بعينين يتطاير منهما الشرر والغضب قائلا: أنت تبرر فشلكم أمامهم. أجبته مبتسما: ليس هناك في السياسة نجاح دائم أو فشل دائم؟.&

فجأة يسألني هل اطلعت على وثيقة فتح مصر؟&

أجبته: قرأت عنها ولم أقرأها، أليست هي الوثيقة التي أثارت كثيرا من النقاش منذ أن تم نشرها من طرف مجلة المصور في ديسمبر 2005؟ أنكرها خيرت الشاطر نائب المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين ولم تنكرها الجماعة، حيت قالت الجماعة أن خيرت الشاطر ليس هو نفس الشاطر زعيم الإسلاميين، ووثيقة الفتح هذه وزعت على مستويات تنظيمية واسعة داخل الحركة الإسلامية كخارطة طريق للاستيلاء على الحكم في مصر، وحركوا دعوى ضدها رفضتها المحكمة، فالوثيقة تحمل الخط الأصلي وتوقيع خيرت الشاطر والذي لم يستطع أن ينكره.&

واسترسلت قائلا: إنها الوثيقة التي تضمنت الكثير من التوجيهات العامة لحركة الإخوان المسلمون كإقامة الاتصال بشخصيات نافذة في العمل السياسي، و مساكنة النظام ومهادنته لضمان حرية حركة الإخوان، و السعي إلى الاستفادة من تطور وسائل الإعلام بخلق مساحة لحركة الإخوان، و الدفع بعدد كبير من أعضاء الحركة للانتخابات، وإثارة حالة من الجدل حول شعار "الإسلام هو الحل"، ثم تجريح الآخرين واتهامهم بالرشوة وبالعمالة لتحييدهم وإسكاتهم، و اختراق المؤسسات الإعلامية وخاصة المؤسسات المستقلة منها وغيرها من النقاط والعناصر التي قامت هذه الوثيقة بتحليلها.

&قال صديقي: إنك إذن مطلع عليها.

&قلت: نعم.

&قال ألم تجدهم لا يختلفون ويتصرفون نفس التصرف، حتى في المغرب يتعاملون بنفس الشكل، يتهمون الجميع بالفساد والعمالة، فالسياسيون في رأيهم كلهم تجار مخدرات إلا هم، والجميع اختلس أموال الدولة إلا هم، ولذلك فالجميع سيدخل إلى جهنم إلا هم؟.&

عقبت عليه قائلا: إنهم يبعثون رسائل شفوية إعلامية يمينا ويسارا ويشتمون الجميع بدون حق، يتحدثون عن الملك ليشدوا اهتمام الناس إلى أحاديثهم، المهم أن يملئوا الساحة العامة والافتراضية ليغرق الجميع في بحر من الترهيب الديني ذو الأهداف السياسية.

&تدخل صديقي: في نفس السياق تجدهم يتحدثون عن علاقة الدعوي بالسياسي، يدعون أنهم يفرقون بينهما، غير أنهم يمارسون الدعوي عند إقناع الناس بالتصويت عليهم، ثم يغضون الطرف عنه عندما يمسكون بزمام السلطة، فالنظر إلى السماء يمطر أصوات أما إدارة السلطة فقد تمنح فتحا وتمكينا، متسائلا وباستغراب: أكل هذا وأنتم ساكتون؟.

&ابتسمت وأنا أنظر إليه قائلا: ليس المهم أن نتكلم ولكن المهم أن نقول الحقيقة حين نتكلم.&

ونحن غارقون في الحديث فاجأنا النادل بالعشاء وصديقنا لايزال يتمتم: أي تنظيم يسير بهذا الشكل؟.

&عقبت عليه بالقول: ولماذا لا نمنحهم فرصة هنا أو هناك؟ فالدين لله والوطن للجميع؟.

&رد علي بالقول: سيقولون حتما أن الدين والوطن والكل لله.&

نظرت إليه قائلا: إذا كان الأمر كذلك فلماذا نتنازع في إدارة الوطن؟ لماذا الكثير منهم يخلط الدعوي بالسياسي؟ يطلبون من الناس أن ينظروا إلى السماء وينسون الأرض "عفوا الواقع"، يطلبون من الجميع أن يفكروا بورعهم بما سيأتي من الأعلى، أما أين سيضعون أرجلهم فذلك لا يدوم وسيزول حتما، غير أن هؤلاء الورعون هم آخر من يعلم أن المطر سقط من السماء في يوم ما.

&رد صديقي: إنهم يزرعون رجالاتهم في كل مكان؟&

قلت: وما العيب في ذلك؟&

قال: لا يزرعون كفاءات يزرعون ولاءات، لا يزرعون أفكار ولكنهم يزرعون قناعات.&

قلت: ربما كثيرا من الأفكار التي يأتون بها يربطونها بلغة السماء، والسماء مقلقة للمواطنين ومثير للهيبة، وحينما تنتقدهم أو تناقشهم يردون عليك، اسمع منا ولا تسمع عنا.

&المهم ليس هو إعادة الدين للحياة بل إعادة الوطن لدوي اللحى، متسائلا مع نفسي أين سينتهون؟ فبعد التمكين ليس لهم سوى اليقين دعوه لمرحلة التمكين العليا، أي مرحلة فرض القوانين داخل الدولة الإسلامية وكأننا نعيش اليوم في دولة (زراديشتية).&

قال صديقي: إن التمكين بحسب الوثيقة المشار إليها في السابق تعني الاستعداد لمرحلة المستقبل وامتلاك القدرة على إدارة أمور الدولة، ولا يتم ذلك إلا بالتغلغل في مكونات الدولة كلها من جماعات ومؤسسات، ولبلوغ هذه الأهداف أصدروا أحكاما بتجهيل المدارس والجامعات، ووضعوا لذلك أربعة وسائل تحقيق هي: (1) الرسالة، (2) توفر الاستمرارية، (3) الاستعداد لمهام مستقبلية، (4) رفع الكفاءة، ولن يتم ذلك إلا ب: (أ) سهولة الانتشار (ب) فاعلية التأثير على تحريك قطاعات محددة، (ج) إمكانية تفعيل ذلك التحريك مع استمرارية التأثير.

&ولتحقيق هذه الغايات الأخيرة فقد حددوا القطاعات المستهدفة في العمال والطلبة، لأن هؤلاء أهم من جميع القطاعات لفاعلية التأثير والقدرة على التحريك وسرعة الانتشار، بناء على خلاصات و نقاشات تحليل كل قطاع اجتماعي على حدة.

&سألته كيف يقيم علاقتهم بالسلطة؟&

رد علي بالقول: و أما السلطة فلها قصة تستند على البحث على التعايش معها، من خلال إثبات قدرتهم في التأثير على الأوضاع التي تجعل من السلطة حريصة على وجودهم بفاعلية، والبحث من طرفهم على أحسن السبل لتلافي المواجهة معها، حتى تطمئن ولا تستشعر بخطرهم عليها، و لضمان استمرار جهود التمكين فالجماعة حين تتغذى على ساق السلطة تكبر السلطة وتشيخ وتتذمر حتى تسقط، وتبقى الجماعة منتشية، تأكل السلطة دون ثورة أو صدام، ولماذا لا تقول للسلطة لبيك لكل ما تريدين، غير أنهم دائما يدعونك إلى السماع منهم وعدم السماع عنهم.

&قلت له: صعب أن تفكر في كل شيء أو حتى أن تخطط لأي شيء، فلهم القدرة في تحريك الزمن وإلغاء الحدود وبتر الكلمات واستعمال الآيات وتجاهل المشاريع، ولديهم القدرة على جعل كل مشاكل الشعب في الأرض هي من مسؤولية أعدائهم، أما تلك المعاناة مع ذلك اليومي الذي يتعب الناس بين واجبات أسرية ورغبات بشرية، بقدر ما تعقدت الاستجابة إليها تعقدت السياسة، غير أنهم هم ينظرون إلى السماء قائلين كم من حاجة قضيناها بتركها على الأرض.&

عقب علي قائلا: هم تهمهم السماء، وحينما يتمكنون ينظرون إلى الأرض بشكل تتقوس بها ظهورهم، فالتمكين يسهل العيش في القصور ويبني الجنة على الأرض وينزلها من السماء، فكثير من الناس يتورعون في ضعفهم، يتجبرون في تمكنهم، غير أنهم عندما يتحدثون يصفون الآخرين بحقيقة ذاتهم هم، بل يشتمون أنفسهم هم من خلال شتمهم للآخرين، فهم لا يرون دواتهم إلا في أعدائهم، لذلك فالتمكين لا يكمن إلا في الآخرين، أما هم فلن يخضعوا أبدا لأي كان ليتمكن منهم.&

قلت له وحينما ينهزمون؟

&رد بالقول: حين ينهزمون يغطسون في التاريخ، ولما يصبحون أقوياء يخرجون من الجغرافيا هنا وهناك، يتشابهون عبر مسار تاريخي طويل، تارة يظهرون هناك وتارة يختفون في ذلك الموقع، غير أنهم يعشقون أن يسحبوا الحبل إلى الخلف، يرهبون الناس بالسماء ليستولوا هم على الأرض، فيفقد الآخر البوصلة ليملكوا هم السلطة وحينما يتكلمون يقنعونك أن المسك يخرج من أفواههم، وأن الآخر شيطان منتهي لا محالة.&

غير أنهم هم يريدون أن يبقوا في الأرض متمكنين لوحدهم فترهقك الأفكار وتفقدك القدرة على التحليل، فتنسحب حاملا أفكارهم ورهبتك الدينية تنزوي ليمرون، ثم تستيقظ من حلم كابوسه أنهم تمكنوا منك، فتختفي السماء لتبقى الأرض هي الحقيقة قبل أن تنتقل أنت إلى الحق، والحق يحاسب الأشخاص ولا يحاسب النظريات حتى ولو كانت على شاكلة التمكين.&

نظر صديقي إلى أوراقه قائلا: كم أنا خائف على الوطن أن تغمره زبد ذوي اللحى فيفقد المواطن مبرر وجوده ويتطرف.&

أما أنا فابتسمت في وجهه قائلا: "تعشى" واتركها للقدر فهو كفيل بهم وبكافة البشر.&

أدخل صديقي "اللقمة" في فمه قائلا بقدر ما أنت ضدهم فإنك تتكلم لغتهم كان الله في عون المغرب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف