فتح ملف النفط والغاز لا يزال بعيداً
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
&سركيس نعوم
لا يشك أحد في أن الغاز والنفط اللبنانيّين سيُدخلان إلى خزينة الدولة أموالاً طائلة. ولا يشك أحد أيضاً في أن ذلك سيضع لبنان على طريق العافية الاقتصاديّة والإنماء الشامل والتخلّص من الدين العام الذي قارب ثمانين مليار دولار. ولا يشك أحد ثالثاً في أن الوصول إلى هذه المرحلة يحتاج إلى سنوات عدّة أقلّها سبعاً إذا صدرت المراسيم التنفيذيّة المجمّدة ثم القوانين الضروريّة لتسيير القطاع النفطي وحماية المصالح الوطنيّة. ولا يشك أحد رابعاً في أن المسؤولين اللبنانيّين لا يقلّون رغبة عن "شعوبهم" في تحريك ملف النفط والغاز بعدما جمّدته الخلافات السياسيّة والطائفيّة والمذهبيّة سنوات عدّة. ولا يشك أحد خامساً في أن الناس ارتاحوا يوم أعلن الرئيس نبيه برّي والوزير جبران باسيل انتهاء خلافهما النفطي.
هل يعني ذلك أن الطريق فتحت أمام إنجاز كل ما يلزم من أجل بدء مسيرة النفط والغاز التي تحتاج إلى سنوات عدّة كي يراها الناس ويلمسون آثارها الإيجابيّة؟
العارفون يعتقدون أن اتفاق برّي &- باسيل أزال نظريّاً أول العوائق من أمام المسيرة المذكورة. لكنّهم يعتقدون في الوقت نفسه أن الإزالة العمليّة للعوائق كلّها لا تزال بعيدة لأسباب عدّة أبرزها ثلاثة. السبب الأول هو احتجاج الجهات السياسيّة والحزبيّة والطائفيّة والمذهبيّة على انفراد الإثنين سابقاً في عرقلة بل في تجميد ملف النفط والغاز وعلى انفرادهما حاليّاً في إزالة الجمود عنه. إذ يعكس ذلك تقليصاً لدورها السياسي والوطني واختصاراً له جرّاء انعكاساته المرتقبة على كل الملفّات الخلافيّة في البلاد. كما يعكس استئثاراً بمكاسب متنوّعة سياسيّة وغير سياسيّة. والمكاسب على تنوّعها مُهمّة عند سياسيي لبنان وزعاماته على اختلاف انتماءاتهم. والسبب الثاني هو المكاسب الماديّة والأعماليّة التي لا بدّ أن توفّرها لقطاعات واسعة سياسيّة واقتصاديّة وماليّة وشعبيّة عمليّة بدء مسيرة التلزيم ثم التنقيب فالاستخراج.
وهي نوعان: مكاسب ماليّة مباشرة جرّاء التلزيم وتدفعها الشركات التي "تفوز" في المناقصات إلى أصحاب الأوزان السياسيّة الكبيرة في البلاد، ومكاسب مباشرة أيضاً لكن على المدى الطويل. وهي تنتج عن الأعمال التي لا بدّ أن تواكب مراحل ما بعد التلزيم من تنقيب واستخراج وأخيراً بيع. وهي تحتاج إلى شركات يبدو أن العمل لتأسيسها ناشط بين رجال المال والأعمال والاقتصاد و... بمباركة وربّما بإشراف الزعامات والمرجعيّات السياسيّة &- الطائفيّة &- المذهبيّة. والسبب الثالث هو استمرار الشغور في رئاسة الجمهوريّة أو بالأحرى عدم تفاهم طرفي الخلاف فالاتفاق على ملف النفط والغاز على فتحه وإنجازه وعلى طريقة إنهائه وعلى اسم "الشخص" الذي سيكون انتخابه رئيساً الإزالة الفعليّة له. فتمسّك "التيار الوطني الحر" ورئيسه باسيل بترئيس مؤسّسه العماد ميشال عون وُوجه دائماً برفضٍ من برّي لأسباب متنوّعة. وبدء الإعلام وجهات سياسيّة ولأسباب مجهولة الترويج لعودة عون مرشّحاً رئاسيّاً مقبولاً من "تيار المستقبل" واستطراداً ربّما السعودية ومن فرنسا وربّما غيرها جعل الاتفاق النفطي &- الغازي بين الاثنين ممكناً. لكن بعد مرور دقائق عليه سأل باسيل برّي قبل المغادرة إذا كان من شأنه إيصال عون إلى قصر بعبدا. فكان جوابه: "عدس بترابو كل شي بحسابو". طبعاً أدّى ذلك إلى تخفيف حماسته للاتفاق ولا سيّما في ظل الاحتجاج المتصاعد من جهات سياسيّة ومذهبيّة وطائفيّة على انفراد "أمل" و"التيار"، وقد تمّت الإشارة إليه أعلاه.
ما هو جوهر اتفاق برّي &- باسيل؟ جوهر خلافهما كان إصرار الأول على البدء بتلزيم بلوكات الجنوب لشركات أميركيّة خوفاً من إقدام اسرائيل على "شفط" قسم من نفط لبنان وغازه، وكان أيضاً إصرار الثاني على تلزيم بلوكات الشمال إذ لا مشكلات فيها ممّا أوحى أنه لا يهتم إذا أخذت اسرائيل نفط لبنان وغازه. أمّا جوهر اتفاقهما فكان على تلزيم البلوكات العشرة والبدء بالعمل في الجنوبيّة منها. إلاّ أن رئاسة الجمهوريّة والخلافات على المكاسب والأوضاع الإقليميّة الصعبة وانعكاساتها المحتملة على لبنان وكلّها مقلقة، إلاّ أن ذلك كلّه يدفع إلى توقّع عودة الجمود إلى ملفَّي النفط والغاز. كما يدفع إلى تأكيد استمرار الشغور الرئاسي على رغم كل المبادرات الدوليّة أو "اللامبادرات" وفي مقدّمها الفرنسيّة.