البورصة العراقيّة والجهود الضائعة لإنعاشها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
&ذكاء مخلص الخالدي
نظمت البورصة العراقية في النصف الأول من هذه السنة، أربع ورش عمل في إطار مساعيها إلى جذب استثمارات محلية وأجنبية، ونشر ثقافة الاستثمار في الأوراق المالية بين مختلف شرائح المجتمع، واستقطاب مدخرات، وتأسيس شركات مساهمة، وتعزيز ثقة المستثمرين.
وأشارت المناقشات التي أُجريت خلال هذه الورش، إلى أن الركود في الاقتصاد العراقي الذي سببه الانخفاض الكبير في أسعار النفط منذ 2014، وتكاليف الحرب على الإرهاب، وتراكمات اقتصادية أخرى، أدى إلى تدني معدل النمو في إجمالي الناتج المحلي إلى 0.5 في المئة، وارتفاع معدل البطالة إلى 30 في المئة، وارتفاع مستوى الفقر إلى أكثر من 25 في المئة، وانخفاض نسبة الادخار في مقابل ارتفاع نسبة الاكتناز. وأدّت تلك العوامل مجتمعة، إلى تراجع أسعار أسهم القطاعات المصرفية والاقتصادية في سوق التداول بنسب تراوحت بين 50 و85 في المئة.
من حق المسؤولين في البورصة العراقية البحث عن الأساليب التي تجعل منها هيئة ناجحة، لكن في ضوء الظروف التي تعمل فيها والنتائج التي تحققها، يتطلب السعي إلى جعلها هيئة ناجحة نوعاً آخر من الجهود. فمشكلة البورصة العراقية تتمثل في أن أهم الشركات فيها، وهي الشركات المختلطة (أي مساهمة من القطاعين العام والخاص)، والتي تأسس معظمها في ثمانينات القرن الماضي وكانت ناجحة بمعايير أدائها وتزاحم الطلب على منتجاتها، انهارت وتوقفت نشاطاتها بتأثير السياسات التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة منذ الاحتلال في 2003، خصوصاً السياسة التجارية التي تبنت أسلوب الباب المفتوح على الاستيرادات من كل المصادر، وبذلك لم تعد هذه الشركات قادرة على منافسة السلع المستوردة وتوقف معظمها عن العمل في شكل كلي أو جزئي.
أضف إلى ذلك، فإن ظروفاً عديدة من بينها فقدان الأمن والإرهاب وانتشار الفساد وهجرة الصناعيين، كلها عوامل أثرت سلباً في إمكان تأسيس شركات جديدة، ما عدا المصارف التي ارتبط تأسيسها بالنفوذ والأموال الخاصة ببعض السياسيين والأحزاب الذين أفرزتهم حقبة الاحتلال. وتشكل أسهم المصارف 64 في المئة من مجموع أسهم البورصة العراقية، في مقابل 36 في المئة لكل أنواع الشركات الأخرى.
في ضوء هذه الظروف التي توقفت فيها عن العمل شركات ناجحة وخسر المساهمون ثرواتهم التي استثمروها فيها، والسياسات الحكومية المتبعة التي لا تشجع على تأسيس شركات جديدة، وارتفاع نسبة الفقر في الشعب العراقي إلى أكثر من 25 في المئة، وارتفاع نسبة الاكتناز بسبب ضعف الثقة بوضع المصارف، فإنَّ أي جهود أو مساع يبذلها المعنيون بالبورصة العراقية لنشر ثقافة الاستثمار في سوق الأوراق المالية واستقطاب المدخرات الوطنية والأجنبية، تعتبر جهوداً ضائعة.
ما يجب أن تسعى البورصة العراقية إليه في هذه الظروف هو مخاطبة الحكومة وليس مخاطبة الجمهور. فالمسؤول عن وضع البورصة الحالي هو السياسات الحكومية، خصوصاً السياسة التجارية، واستفحال الفساد المالي إلى حد غير مسبوق منذ تأسيس أول حكومة عراقية في عشرينات القرن الماضي، وعدم تبني سياسات تشجع الصناعيين العراقيين المقيمين في الخارج على العودة إلى العراق وممارسة نشاطات صناعية وزراعية تنتج منها شركات جديدة وناجحة تدخل في البورصة، ناهيك عن إعادة تشغيل معاملهم المتوقفة عن العمل منذ بدء العقوبات الاقتصادية في تسعينات القرن الماضي.
وإذا خاطبت البورصة الدولة وحضّت اللجنة المالية والاقتصادية في البرلمان على مساءلة المعنيين في الحكومة عن جدوى الاستمرار في سياسة تشريع الأبواب أمام كل أنواع الواردات، وفتحت حواراً جدياً ومجدياً مع الشركات المختلطة لتحديد احتياجاتها وإعادة تأهيلها حتى تعاود نشاطاتها، تكون البورصة العراقية تمارس جهوداً مجدية لزيادة كفاءة عملها وتعزيز دورها في الحياة الاقتصادية.
&
ويؤمل أن يوجد انتهاء الحرب على الإرهاب وتحقيق الأمن والحد من استشراء الفساد في المستقبل القريب، بيئة مناسبة تستطيع البورصة فيها مخاطبة الجمهور واستقطاب مدخراتهم ونشر ثقافة الاستثمار في الأوراق المالية بينهم.