المرأة ستتولى أمرها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أمين طلال
لماذا يشترط النظام أن يتم تعنيف المرأة أو اضطهادها أو أن تكون تحت ولاية رجل مليء بالعقد كي تُسقط ولايته، ألا يُعد كونها إنسانة كاملة الأهلية سببا كافيا في نظر النظام؟
إغلاق الباب في وجه كل جدال بعبارة "لا يجوز" هو فعل لا يجوز، فأمور الناس ستظل بين أخذ ورد، سيخطب الخطباء ليرد الكتاب، وسيفتي الفقهاء ليحاجهم المفكرون، فإذا اتفق الجميع على رأي واحد من بعد عناء سريعاً سيكبر الأبناء ليعيدوا الشريط من بدايته، وحججهم التي لم تتغير أبداً أن اليوم ليس هو الأمس، وما كان يصلح للآباء سيعافه الأبناء، فإن أجمع السلف فذاك اجتهاد يتم البناء عليه لا الاكتفاء به، وآراء السابقين هي محل استئناس لا تشريع، وما قيل له التقدير لكنه لا ينزل منزلة الحق، إلخ... من الحجج التي لا تعني بالضرورة أنها مروق من الدين أو كره للأولين، إنما تعني أن لكل جيل منظومة أفكار ورؤى لها الأفضلية دوماً لتناسبها مع حاضره.
بالأمس لم يكن أجدادنا يعرفون الراحة والإجازات، كان الواحد منهم يخرج من أذان الفجر إلى غروب الشمس سعيا في طلب الرزق، يخرج في المرض والصحة، في الصيف والشتاء، لا يكاد يهنأ براحة أو يتمتع بإجازة لعلمه أن اليوم الذي لا يخرج فيه سيجوع الأبناء -هذا ما كان سائدا، والسائد لا يعني عدم وجود استثناءات- أما اليوم فإن أخذ الموظف إجازة لشهرين فلن يتأثر دخله ولن يجوع الأبناء، لقد تغيرت معادلة طلب الرزق، والطريق أمام السالكين بات معبداً، والسير ما عاد يتطلب مجهودا جسديا شاقا، الأمر الذي أغرى المرأة بالخروج من بيتها إلى سوق العمل لتشارك الرجل في حمل هذا الهم الثقيل، وبخروجها فوراً تغيرت طبيعة العلاقة بينهما.
ثوب "سي السيد" تم استبداله بالسيادة المشتركة، والمشورة حلت مكان التفرد بالرأي، و"عنتر" لا يكاد يجد ميداناً لا تقاتل فيه "عبلة"، و"قيس" كلما همّ بتقبيل جدار وجده جدار مدرسة تعمل فيها "ليلى"، والوادي البغيض الذي تبادل فيه "جميل" و"بثينة" السباب، أصبح مستشفى يعملان فيه سوية، كل هذا التغيير يراه البعض انحرافا في طبيعة العلاقة، غير أنه في واقع الأمر تصحيح للمسار، فشرعاً وقانوناً ليس بينهما أرقى وأدنى، وطلب الرزق ما عاد يتطلب قوة جسدية، إنما قدرات عقلية لجنسين كلاهما متساويان، وليس الحديث هنا عن تطابق إنما عن شراكة في بناء المجتمع، وفي الشراكة لا يتم اعتبار الاختلافات الجسدية بين الشريكين سبباً لتقليل الحصص.
لقد فتحت الدولة أبواب سوق العمل أمام المرأة، وحين دخلت للسوق أصبحت ترساً في عجلة الاقتصاد، تسهم في التنمية كما يسهم الرجل، وطالما أصبحت عنصرا اقتصاديا فعالا، ستقول ما تريد وتطالب بما تريد، طالبت بالتعليم فنالت أعلى الشهادات، طالبت بالعمل فوصلت إلى أرقى المناصب، وغداً ستطالب بالمزيد وسيصرخ الرجل ويزبد ويستدعي كل ما في الموروث من حجج، وبعد سترأسه في قطاع حكومي ثم تقود سيارتها لتعود إلى بيتها، وهذا ليس رجماً بالغيب لكنه قراءة لحقوق الشريك.
إنها اليوم شريك في المجتمع أكثر من أي وقت مضى، والشريك يحق له أن يفرض ذاته، وعلى من يرى أن في شراكتها خللا أن يعود إلى نقطة البداية ويطالب بمنعها من العمل، وأن تقر في بيتها لترعى أبناءها شريطة أن ينبذ حياة الرغد ويسلك ذات الطريق الوعر الذي سلكه الأجداد، أن يخرج من أذان الفجر إلى غروب الشمس طلباً للرزق، فإن أحس بالإرهاق رأى في عيون أبنائه رجاءً يدفعه لعدم استثناء هذا اليوم، فلن يعود الرجل "سي السيد" إلا بعودة حياة التعب والحاجة التي تنهك الرجال وتجبر النساء على المكوث في البيت، لن يرتدي ذلك الثوب القديم إلا حين يتطلب جلب الرزق قوة جسدية تتحمل عناء الطريق، صحيح أن العلاقة بين الرجل والمرأة لا تتحدد فقط بالمال، لكن الصحيح أيضاً أن من يملك المال يكن سيد نفسه.
وبمناسبة الحديث عن السيادة، تثار هذه الأيام قضية ولاية الرجل على المرأة، وبعيداً عن دعاوى التغريب والمنظمات السرية الخبيثة والشياطين التي توسوس بأفكار هدامة، الجديد ليس في الموضوع، إنما في أن المرأة اليوم تتحدث بصفتها شريكا فعالا في بناء المجتمع ومؤثرا في سوق العمل، وهي تنظر للرجل من هذه الزاوية، فتسأل: كيف يحق لشريك تتساوى حصصه مع حصصي أن يرأسني لأسباب وصفات لم يكتسبها بمجهوده الشخصي إنما جاءته بالإرث؟ وكون الرجل جاء للدنيا ذكراً فهذا لا يعني أبداً أنه كائن أرقى وأسمى وأرجح عقلاً، فلمَ كساه المجتمع بهذه المزايا؟ ولماذا يتم بناء فكرة الولاية على أن كل الرجال أولياء لله صالحون لا يخطئون، فمن إذاً يعنف ويضطهد ويمنع ابنته من الزواج ويستغل راتب زوجته! ولماذا من الأساس يشترط النظام أن يتم تعنيف المرأة أو اضطهادها أو أن تكون تحت ولاية رجل مليء بالعقد كي تُسقط ولايته، ألا يُعد كونها إنسانة كاملة الأهلية سبباً كافياً في نظر النظام؟
إن حججها اليوم تنسجم تماماً مع دورها الاقتصادي، كقولها: أنا أعمل كما تعمل، أفكر كما تفكر، أنجز كما تنجز، أسهم في تدبير شؤون الأسرة وتنمية المجتمع كما تسهم... إلخ، الإشكالية الوحيدة هنا أن ردود فعل الرجل تقليدية، يصرخ ويبادر لإغلاق الباب بـ"لا يجوز"، وفي آخر المطاف يجنح للصلح ويتركها لتتولى أمرها.