حروب المسلمين فى ذكرى 11 سبتمبر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
& طه عبد العليم
&
منذ شن تنظيم القاعدة الإرهابى هجمات 11 سبتمبر ضد الولايات المتحدة الأمريكية قبل 15 عاما، تبنت أمريكا استراتيجية عدوانية تجاه البلدان العربية؛ دفعت فى ثلاثة اتجاهات أساسية: أولها، شن حروب مباشرة لتدمير دول صنفتها ضمن ما سمته بمحور الشر، وثانيها، محاولة تمكين تنظيمات الإسلام السياسى التكفيرية والارهابية ـ من جماعة الإخوان وحتى تنظيم داعش- لإقامة ولايات وخلافات إسلامية تأجيجا وتوظيفا لما وصفته بزمن حروب المسلمين، وثالثها، تكريس السياسات الأمريكية العدائية- المنافقة برفع راية الحرية ـ بدءا من إنكار حق الفلسطينيين فى تقرير المصير، وحتى إنكار حق المصريين فى الثورة على حكم الإخوان.
وأرصد أولا، أن الإستراتيجية الأمريكية قد انطلقت من صورة ذهنية نمطية سلبية للعرب غُرِست فى عقول الأمريكيين، على مدى عقود قبل هجمات 11 سبتمبر 2001.
وفى كتابه البحثى الرصين (صورة العرب فى عقول الأمريكيين)، المنشور بالعربية فى عام 1987، قدم الدكتور ميخائيل سليمان- المصرى الأصل والمسيحى الديانة والأمريكى الجنسية- تحليلا علميا رائدا، خلص لاستنتاجات تفند مزاعم الكتاب والباحثين الأمريكيين، الذين حاولوا تفسير وتبرير الصورة السلبية المشوهة للعرب فى أذهان الأمريكيين، بأن من ارتكبوا تلك الهجمات الارهابية جاءوا من صفوف العرب!! وعلى أساس دراسات ميدانية واستطلاعات للرأى ومواد إعلامية وكتب مدرسية وغيرها، غطت فترة تمتد بين عامى 1947 و1987، خلص الدكتور سليمان الى استنتاجات، منها:أنه توجد فكرة ثابتة وصورة نمطية- مشوهة وغير صحيحة وشبه عنصرية- عن العرب فى عقول الأمريكيين, شارك في صنعها الاعلام المشوه عنهم ومحتويات الكتب المدرسية وغيرها من وسائل تشكيل الوعى والموقف.
وما أن تحدث مناسبة حتى تبرز تلك الصورة, المرتكزة لتصورات متحيزة وافتراضات خاطئة، ويمسى العرب هدفا سهلا مواتيا لخصومهم من اللوبى الصهيونى واليمين المسيحى. وأن الصورة السلبية عن العرب، قد انطلق منها الكثير من قرارات الإدارة ومواقف الكونجرس بشأن القضايا العربية، واستعملت كسلاح ضدهم لا يقل تأثيرا عن الأسلحة العسكرية والاقتصادية والسياسية. وأسجل، ثانيا، أن رؤي النخبة الفكرية والثقافية والاعلامية الأمريكية لظاهرة الارهاب لم تنطلق من التشخيص العلمى الدقيق له، بل نزعت الى قراءة متحيزة, وقدمت تبريرات فكرية لما وصف بالحرب الأمريكية ضد الإرهاب.
وهكذا، فى رسالة مفتوحة حملت عنوان ما الذى نحارب من أجله؟.. رسالة من أمريكا، أعلن ستون من المفكرين والمثقفين الأمريكيين- يمثلون شتى التيارات الفكرية والسياسية من اليمين الى اليسار- أن العدو الذى تخوض الولايات المتحدة حربها ضده هو الاسلام الراديكالى، الذى يهدد العالم اليوم, بما فيه العالم الاسلامى. لكن الرسالة جاءت حافلة بمزيج من الحق والباطل.
فقد أوضحت- وبحق- أن هذه الحركة السياسية الدينية، تتبنى منهج العنف والتطرف والتشدد وعدم التسامح، وترفض المساواة بين البشر وأسس الحضارة وإمكانات السلام، وتنطلق من استهانتها بالحياة الإنسانية ونظرتها للعالم علي أنه صراع حياة أو موت بين المؤمنين وغير المؤمنين. وسلمت بأن هذا العدو، الذي يزعم الحديث باسم الإسلام يخون ويتنكر لمبادئه الأساسية، التي تحرم قتل الأبرياء وغير المحاربين وتجعل الأمر بالأعمال العسكرية بيد السلطات الشرعية. وأما جانب الباطل، فيظهر فى أن ما حاربته أمريكا فعليا لم يكن الإسلام الراديكالى، وهو ما تجلى فى الحرب الأمريكية المباشرة ضد العراق، التى روجت ضمن ذرائعها فرية تحالف صدام مع تنظيم القاعدة، ولم تحمل لشعب العراق سوى احتلال جلب الخراب والتقتيل والتفكيك وانتهى بتمكين تنظيم داعش الإرهابى من اعلان خلافته فى العراق والشام!!
وبعد حرب تدمير وتفكيك ليبيا وتمكين داعش وغيره من تنظيمات الإرهاب، جاءت الحرب الأمريكية بالوكالة فى سوريا داعمةً لتنظيمات الارهاب باسم الاسلام (ومنها النُصرة وداعش وغيرهما) ولم تجلب لشعب سوريا بدوره سوى الخراب والتقتيل والتفكيك، ثم كان الموقف العدائى الأمريكى ضد ثورة 30 يونيو رفضا لإسقاط حكم حلفائهم الإخوان ومشروعهم لإقامة دولة الخلافة، وليس انتصارا للديمقراطية وحقوق الإنسان كما ردد الخطاب الأمريكى المنافق.
وأُذَكِّر، ثالثا، بأن المفكر الأمريكى ذائع الصيت صامويل هنتنجتون، الذى بشر بنظرية صراع الحضارات مرتديا مسوح العلم، قد اختار الإسلام عدوا للغرب، قد أعلن مزهوا- فى مقاله زمن حروب المسلمين (فى نيوزويك 25 ديسمبر2001) أن بذور هذا الصراع قد باتت منثورة، مع اعلان بن لادن الجهاد ضد الأمريكيين، ووصول ما سماه بحروب المسلمين لأمريكا!!
وقد أدرج ضمنها: الغزو السوفيتى لأفغانستان مع تجاهله الدور الأمريكى فى وجود تنظيم القاعدة توظيفا للاسلام فى محاربة السوفيت!! وإدراجه صراعات مسلحة كان المسلمون ضحايا الكراهية والتمييز فيها كما هو الحال فى الفلبين أو صراعات توزعت مسئولية اندلاعها على أطرافها فى كشمير وإندونيسيا والشيشان وغيرها. لكنه يتجاهل نزعة فرض القيم الثقافية الأمريكية علي دعوة الحداثة وهو ما تقاومه شعوب مسلمة وغير مسلمة، ويتناسى ما تعانيه من حصاد سلبى نتيجة الادارة الأمريكية غير المنصفة للعولمة. وتجاهل هنتنجتون ـ مثل كثيرين من مفكرى ومثقفى واعلاميى أمريكا ـ جرائم التمييز والكراهية والارهاب التى ارتكبتها وترتكبها جماعات وأحزاب وحكومات يهودية أصولية فى إسرائيل ضد العرب؛ مسلمين ومسيحيين. لكنه تجدر الإشارة هنا لإعلان فريد زكريا بمجلة نيوزويك الأمريكية (فى 22 اكتوبر 2002) أن هجمات 11 سبتمبر قد حلت للأصوليين المسيحيين الامريكيين مشكلة البحث عن اعداء لهم، حيث وجدوا فى المسلمين هدفا سهلا، ومُدينا حملات قادتهم فولويل وروبرتسون وجراهام وغيرهم التى تفيض بكراهية المسلمين.