جريدة الجرائد

الأرجنتين ولبنان وأنا: حجر الشباب

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

 سمير عطا الله 

 كانت أحاديث المهاجرين العائدين من بوينس آيرس إلى تقاعد وهناء وسكينة المقعد الحجري في الساحة، تدور غالبًا حول «الأرخنتين» كما يلفظونها. أما عن ذكرياتهم القديمة فيها، أو عن أخبارها الحالية. والأخبار الحالية، آنذاك، كانت عن الجنرال خوان بيرون وساحرة البلاد زوجته إيفيتا بيرون.
لم تكن هناك صحف تصل إليهم، لا من بوينس آيرس ولا حتى من بيروت، لكن «الكتيبة الأرجنتينية» من عجائز المقعد الحجري، كانت تتلقى أخبارها من رسائل المهاجرين الذين ظلوا هناك، آخر الأرض. وكانوا يتداولون تلك الأخبار في صوت عالٍ. وفي اليوم التالي، ينسون أنها رويت بالأمس، فيروونها من جديد. أو لعلهم كانوا يعرفون أنهم يكررونها، لكن الأحاديث يجب أن تستمر، وإلا غابت الشمس فقط على صوت رفرفة الطيور الذاهبة إلى النوم على الشجر. فهل يُعقل؟ هل يُعقل أن تخلو الساحة من أخبار بوينس آيرس، وفلنت، وميشيغان، وماساتشوستس و«كفرربا»، التي سنعرف عندما نكبر أنها «فول ريفر» وتحولت عند بسطائنا المهاجرين إلى كفرربا؟
كما تجري الآن التوأمة بين المدن والبلدان حول العالم، كانت «الساحة» الصغيرة في أحاديث المسنين العائدين، توأم الأمصار و«حديقة الأخبار»، على ما سميت أول صحيفة في تاريخ لبنان عام 1858. كل عائد معه جعبته. وجعبته بسيطة ومتواضعة، لكنها تبدو بالمقارنة مع حجم الساحة وحجم القرية وطريقة الإلقاء وكأنها ذكريات السندباد، وكان الرواة يتفاوتون في الفصاحة وتنوع الحكايات، إلا أنهم جميعًا كانت تشرق وجوههم عندما يتذكرون ما يكرون. فهذا كان شبابهم. وشبابهم تحول الآن إلى هذا المقعد الحجري تروى مِن عليه الروايات والمشاهدات، كلها سعيدة، لا مرارة ولا عناء ولا تعب ولا عوز، كأنما كانوا في رحلة سحرية من رحلات «والت ديزني».
بعض المغتربين كان يعود لزيارة قصيرة يتفقد فيها الأهل والخلان وذكريات الملاعب في القرية، ثم يسافر مجددًا إلى مستقره الاغترابي في المقلب الآخر من الأرض. أو الجهة الأخرى على وجه الضبط. وكان أسلافنا، رحمهم الله، يستخدمون مصطلح «المقلب» للأرض، مع أنها لو انقلبت، لما كتبنا، ولا قرأتم، ولا عاد المغتربون من الأرجنتين بالباخرة، مسافة شهرين تقريبًا.
في أي حال، كان العائدون الدائمون، أو المؤقّتون نوعين: فئة تحيط نفسها بمظاهر الجاه، وفئة لا جاه تدّعيه ولا خيل ولا مال، ومجرد بال مرتاح. واطمئنوا، سوف نعود بعد قليل إلى موضوع الأرجنتين، لكن ليس قبل حكاية «الأولدزموبيل».
إلى اللقاء..

 

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف