جريدة الجرائد

الأرجنتين ولبنان وأنا: رواية عن إيفيتا

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

 سمير عطا الله  

قبل أن ينسينا الاستطراد، فلنعد إلى الأرجنتين. أو للدقة، إلى العلاقة مع الأرجنتين. فعندما كبرت ودخلت هذه المهنة، من باب «القسم الخارجي»، وليس، والحمد لله، من متاهة القسم المحلي، أو ما كان يسمى، تشبهًا وتجاوزًا، «الشؤون» المحلية بدل الشجون، عندها صارت أحداث بوينس آيرس جزءًا من عملنا اليومي. ولم تعد المسألة مسألة أقربائنا في بوينس آيرس، أو مغتربينا في الساحة، بل تتبع تحولات هذا البلد الذي - عدا المساحة - يشبه لبنان على نحو غريب: أرض جميلة، وخصب مذهل، وجمال معماري رائع، وحياة خلابة، وشعب متقدم ومثقف. وحروب ومعارك بلا نهاية وخراب بلا انقطاع.
ومن آخر الأرض أرادت بوينس آيرس التدخل في شؤون دول الأرض. وفي عام 1974 كتبت في «النهار» مقالاً عن الجنرال بيرون، فاتصل بي الشاعر الكبير عمر أبو ريشة، الذي كان سفير سوريا في بوينس آيرس، وأطرى المقال وأفاض في الحديث، وقبل أن ينهي المكالمة استدرك حرمة مكانته وقال: «يا ابني لا تنسَ أن عمر أبو ريشة لا يتصل بمين ما كان». وحفظت التذكير.
بدلاً من أن أغطي الأرجنتين من بعيد، أخذت أحلم بالسفر إليها، لسبب مهني وأسباب عاطفية. ومن الأسباب العاطفية، التعرف إلى أبناء خالتي التي لم نعرفها، ولقاء الأقرباء، والأهم كانت زيارة المعالم المرتبطة بذكرى وآثار إيفيتا بيرون، المرأة التي لا تزال الأرجنتين تصر على إعلانها «قديسة» البلاد. لم أقرأ في حياتي عن ظاهرة مشابهة لظاهرة إيفيتا، التي تحولت إلى مواضيع سينمائية وروائية ومسرحية.
تعرَّف إليها خوان بيرون من زملائه الضباط عندما كانت تعمل في الإذاعة. وتزوجها. وقررت هي أن تتزوج قضية الفقر في البلاد، وقضايا العمال، والمتعبين والمرهقين. وأقامت لنفسها دارًا خاصة لاستقبال الناس. ثم هدَّها المرض وهي في عز شبابها وجمالها وحب الناس لها. وعندما توفيت، هرَّبت السلطات جثمانها إلى الخارج لكي لا يتحول القبر إلى مزار، غير أن التظاهرات قامت في أنحاء البلاد، وأرغمت السلطة على إعادتها إلى أرضها.
ولا تزال الأسطورة حيّة رغم غياب الجيل الذي عرفها. ورغم الإشاعات والحكايات التي قيلت عنها، ورغم تعثر سمعة بيرون نفسه، مع أن الإرث البيروني ظل الأقوى في البلاد. كلما كنت أنوي السفر إلى بوينس آيرس، جدّ فيها حدث، أو جدّ عليّ شيء. وكبر حلمي وخيالي فأخذتُ أفكر في وضع رواية عن إيفيتا، «بطلها» مهاجر لبناني. يولد في عائلة جارة لعائلتها في بلدة لوس تولدوس (بلدة السقوف). وكلما كبر الحلم كانت بوينس آيرس تضيق وسبلها تتعقد.
إلى اللقاء..

 

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف