'جاستا' جرس الإنذار للعلاقات السعودية ــ الأميركية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
هل الرئيس الأميركي الذي تنتهي ولايته في العشرين من الشهر الجاري جدي في الاعتراض على 'جاستا' أم أن كل ما في الأمر أنه كان يمارس دورا في مسرحية لا هدف منها سوى التغطية على عملية تمرير القانون؟
خيرالله خيرالله
في الأيام الأخيرة من عهد باراك أوباما، يبدو من المهمّ تدارك بعض الأمور التي يمكن أن تدقّ جرس إنذار لمستقبل العلاقات العربية – الأميركية عموما، والسعودية – الأميركية على وجه الخصوص. من بين ما يبدو مطلوبا تداركه تداعيات قانون “جاستا” الذي أقرّه الكونغرس الأميركي في أيلول – سبتمبر الماضي والذي اعترض عليه الرئيس باراك أوباما. لم ينفع اعتراض أوباما بعدما لجأ الكونغرس إلى تجاوز الرئيس الأميركي بإصراره على القانون بأكثرية ساحقة تبطل “الفيتو” الرئاسي.
في الواقع لم يكن باراك أوباما جدّيا في أي يوم من الأيّام في إفشال “جاستا”، وهو قانون يسمح للمتضررين من غزوتيْ واشنطن ونيويورك اللتين يقف خلفهما تنظيم “القاعدة” الإرهابي بملاحقة الحكومة السعودية. أتاح القانون للمتضررين ولذوي الضحايا ملاحقة حكومة المملكة نظرا إلى أن خمسة عشر إرهابيا من بين التسعة عشر الذين نفّذوا الغزوتين في الحادي عشر من أيلول – سبتمبر 2001 كانوا مواطنين سعوديين. هناك قضايا رفعت قبل أيام أمام محاكم أميركية استنادا إلى “جاستا”.
استخفت المملكة العربية السعودية في الماضي بـ“جاستا” علما أنّه كان مطروحا كمشروع قانون منذ العام 2008. هذا الاستخفاف عائد إلى أمرين. الأوّل التطمينات الصادرة عن البيت الأبيض الذي لم يتحرّك عمليا في مواجهة أعضاء مجلسي النوّاب والشيوخ إلا بعد إقرار القانون، أي بعد فوات الأوان. هذا يعني، بكلّ بساطة، أن أوباما كان متواطئا مع الذين قدّموا مشروع القانون، وعملوا على تمريره بأكثرية كبيرة تصل إلى شبه إجماع في مجلسيْ الكونغرس.
أما الأمر الثاني الذي دفع السعودية إلى الاستخفاف بالقانون عندما كان لا يزال مشروع قانون، فسببه أن المملكة لم تعد تمتلك منذ لم يعد الأمير بندر بن سلطان سفيرا في واشنطن الأدوات التي تسمح لها بأن تكون لاعبا فاعلا في ما يفترض أن تكون عاصمة القرار في هذا العالم.
انتهت مهمّة بندر بن سلطان في العام 2005. كان السفير السعودي في واشنطن الذي تولّى مهماته في العام 1983 يعرف العاصمة الأميركية عن ظهر قلب. كانت لديه موازنة كافية للتحرّك في مراكز الأبحاث والكونغرس وكلّ مواقع القرار، بما في ذلك البيت الأبيض الذي كان من زوّاره الدائمين، خصوصا في عهد جورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج بوش الابن.
مع رحيل بندر، تقلّص الوجود السعودي في واشنطن وبات هذا الوجود مرتبطا بتطمينات تصدر عن البيت الأبيض، تبيّن مع الوقت أنّها ذرّ للرماد في العيون. قد يكون ذلك عائدا إلى أن السعودية في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز كانت شديدة الحساسية تجاه السياسة الأميركية في العراق التي أدّت إلى تسليم هذا البلد إلى إيران تسليم اليد. كانت النتيجة تقليص الوجود السعودي في العاصمة الأميركية. ثمّة من بات يقول، مازحا، إن اللوبي الأرمني في العاصمة الأميركية صار ينفق أكثر من اللوبي السعودي وصار أكثر نفوذا منه…
الملفت أنّ التركيز في المرحلة الراهنة هو على مكاتب للمحاماة تتولى الدفاع عن المصالح السعودية. هذا ليس كافيا بأيّ شكل، لا لشيء سوى لأن مكاتب المحاماة، أيّا تكن قدراتها، لا تستطيع الحلول مكان العلاقة القويّة مع مراكز الدراسات والكونغرس. الأنكى من ذلك كلّه أنّ إدارة أوباما، على رأسها البيت الأبيض، كانت توفّر في كلّ وقت التطمينات التي تؤكد أنّ “جاستا” لن يمرّ، فيما كان همّها مركّزا على توفير خروج أميركي آمن من العراق، وحماية الملف النووي الإيراني على حساب المصالح العربية.
في الوقت ذاته صدر عن أكثر من عضو في مجلس الشيوخ ما يفيد أن الإدارة الأميركية لم تعط في أيّ يوم أيّ إشارة من أيّ نوع يفهم منها أنّها غير راضية عن تمرير “جاستا”. هذا ما أكّده أخيرا في تصريحات علنية له السناتور بوب كوركر، الذي أشار إلى أنه لم يصدر عن البيت الأبيض أيّ ردّ فعل، سلبي أو إيجابي، على مضي مجلسي النوّاب والشيوخ في عملية تمرير “جاستا”. لم يكن معظم النوّاب والشيوخ مهتمين بتمرير القانون الذي يعني “العدالة للمتضررين من الإرهاب الذي ترعاه الدول”. فأي شخص يمتلك حدّا أدنى من المنطق يعرف أن لا علاقة للمملكة العربية السعودية بغزوتي واشنطن ونيويورك، وأنّ الذين يقفون وراء هذا العمل الإرهابي كانوا ملاحقين من المملكة التي نزعت الجنسية عن أسامة بن لادن قبل فترة لا بأس بها من أحداث الحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر 2001. ولكن ما العمل عندما يكون المقيم في البيت الأبيض يمارس لعبة التعمية على ما يستهدفه؟ لم يكن باراك أوباما، الذي رهانه الأوّل والأخير على إيران، صادقا مع السعودية ومع دول الخليج العربي عموما. لم يلتزم بالوعود التي قطعها للعرب. من يحتاج إلى دليل على ذلك يستطيع العودة إلى تصريحاته في شأن سوريا. دعم الثورة السورية شفهيا وأكد غير مرّة أن لا مكان لبشّار الأسد في سوريا، لكن كلّ ما فعله كان تأييد التدخل الإيراني والروسي، الذي كان بمثابة مشاركة في الحرب التي يشنّها النظام على شعب يسعى إلى استعادة بعض من كرامته.
كان هناك عضو واحد في مجلس الشيوخ هو السناتور شاك شومر مصرّا على “جاستا”. يمثّل شومر ولاية نيويورك ولديه مصلحة في جعل ضحايا الحادي عشر من سبتمبر يحصلون على تعويضات. في المقابل، كان هناك أكثر من عضو في مجلس الشيوخ مثل أورن هاتشوجون ماكين أو لندسي غراهام على علم بأنّ المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة ستتضرّر من أيّ مواجهة مفتعلة مع المملكة العربية السعودية… ومع ذلك صار “جاستا” قانونا نافذا.
ما الذي يمكن عمله الآن؟ هناك قبل كلّ شيء جهات أميركية جدّية تؤكد أن قانون “جاستا” غير دستوري. سبق لصحيفة “وول ستريت جورنال” أن نشرت مقالا لمحاميين مرموقين يؤكدان فيه أن القانون غير دستوري وأنّه يُلحق ضررا بمصالح الولايات المتحدة.
يمكن متابعة هذا التوجّه في الدفاع عن الموقف السعودي عبر دعوة الرئيس أوباما إلى توجيه رسالة جديدة إلى مجلسيْ الكونغرس، وذلك قبل أن يغادر البيت الأبيض. مثل هذه الرسالة الصادرة عن أوباما تفتح المجال أمام السعودية للطعن بدورها في دستورية “جاستا”. هل الرئيس الأميركي الذي تنتهي ولايته في العشرين من الشهر الجاري جدّي في الاعتراض على “جاستا” أم أن كلّ ما في الأمر أنّه كان يمارس دورا في مسرحية لا هدف منها سوى التغطية على عملية تمرير القانون؟
أيّام قليلة تفصل عن نهاية عهد أوباما. هل يمكن جعله يتحمّل مسؤولياته عبر إرساله تلك الرسالة، التي يعيد فيها تأكيد موقف البيت الأبيض، وذلك كي تكون هناك قاعدة قانونية تسمح بمتابعة التركيز على أن قانون “جاستا” غير دستوري وتمهد لطعن سعودي به عبر الأقنية الملائمة؟
في المدى الأبعد، أي في مرحلة ما بعد خروج أوباما من البيت الأبيض وحلول دونالد ترامب مكانه، لن يعود ممكنا الاكتفاء بالتركيز على البيت الأبيض وعلى مكتب محاماة كبير أو إحدى شركات العلاقات العامة. لا مفرّ من إعادة عقارب الساعة إلى الخلف، أي إلى أيّام بندر بن سلطان في واشنطن. هذا يطرح في طبيعة الحال مسألة في غاية الأهمّية مرتبطة بالوجود السعودي في العاصمة الأميركية، وهو وجود يفترض أن يكون على كلّ المستويات، خصوصا في الكونغرس الذي يبقى إلى إشعار آخر المفتاح الأهمّ في واشنطن…