ثقافة الحوار.. ضرورة عالمية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبد الحميد الأنصاري
لقد أصبح الحوار ضرورة إنسانية وحضارية للتعايش والتفاهم والتعاون في مواجهة العدو المشترك للإنسانية جمعاء، المتمثل في تصاعد وانتشار خطاب الكراهية والتعصب والتطرف والعنف، في المنطقة العربية، وفي المجتمعات الغربية، على يد تيارين:
1- التيار اليميني الشعبوي المتصاعد في الغرب، والذي يرى في الآخر الوافد تهديداً لهويته وثقافته وقيمه وحضارته، وخطراً على وجوده وأمنه ومستقبله.
2- التنظيمات المتطرفة والجماعات الدينية في المجتمعات العربية، التي ترى الغرب عدواً متآمراً، يستهدف الإسلام والمسلمين.
ويساعد جانب من وسائل الإعلام، خصوصاً منابر التواصل الاجتماعي في الجانبين، على تغذية حالة التربص وسوء الظن والارتياب والتشويه وعدم التسامح لدى كل فريق تجاه الآخر. وبطبيعة الحال، فإن هناك ركاماً ثقيلاً من سوء الفهم وسوء الظن والتشكيك والاتهام المتبادل، بعد أحداث 11 سبتمبر، وتداعياتها السلبية سياسياً واقتصادياً وإعلامياً وثقافياً، وزادتها أحداث المنطقة الملتهبة في العراق وسوريا وليبيا واليمن، كتداعيات لما سمي «الربيع العربي»، سوءاً، وجاءت موجات الهجرة واللجوء إلى الغرب لتوقظ المكنونات التعصبية المكبوتة لدى قطاعات مجتمعية عريضة، أوصلت رموزاً قومية شعبوية إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة ودوّل أوروبية، وبخاصة بعد نجاح الإرهابيين في صبغ أوروبا بالدم وإثارة فزعها، يضاف إلى كل ذلك ما تتعرض له الطوائف المسيحية من تنكيل وتشريد وتفجير لكنائسهم، إلى جانب الأزمة المالية العالمية التي لا تزال دول الاتحاد الأوروبي تعاني تبعاتها. كل هذه العوامل زادت حجم الفجوة بين المسلمين والغرب، وعمَّقت سوء الفهم، لصالح التيار التصادمي على الجانبين.
إن هناك احتياجات قائمة لدى الطرفين، وهناك أيضاً مصالح ضرورية متبادلة، وقبل هذا وذاك، هناك إرث حضاري إنساني يجب العمل على حفظه، وصيانته في إطار من الاعتراف بالتنوع والاختلاف الإنساني، وعلى أساس من احترام الخصوصيات والهويات الوطنية والدينية والثقافية للشعوب والقوميات المختلفة.. لذا كان من مسؤولية القادة والحكماء وممثلي الأديان والمثقفين والكتاب والإعلاميين، تعزيز جهود التواصل والتعاون عبر ثقافة الحوار، وصولاً إلى أرضية مشتركة تخفف من أسباب التوتر، وتعمل على تحجيم ركام الكراهية بين الشرق والغرب، وتساعد على تعزيز وتفعيل المشترك الديني والأخلاقي والإنساني، وتتخذ من سياسة الاعتماد المتبادل منهجاً ثابتاً في العلاقات الدولية، تحقيقاً للمصالح ودرءاً للمخاطر.
بطبيعة الحال، لا أنكر أن هناك نزاعات ملتهبة في بقاع كثيرة من عالمنا، وهناك طغيان القوي على الضعيف، وهناك أوضاع مأساوية تعيشها شعوب كثيرة، وهناك عمليات إرهابية بشعة تحصد أرواح أبرياء كل يوم، وهناك تهجير ونزوح لآلاف البشر الذين يفرون من أوطانهم ويركبون الصعب ويبتلعهم البحر، وآخرون يعانون من البرد القارس ولا يجدون ملجأً يحميهم، كما أن هناك استغلالاً واتّجاراً بالبشر وسبياً للنساء وخطفاً للأطفال، بل نحن مقبلون في هذه السنة على عالم أشد إرباكاً واضطراباً والتهاباً.. لكن هذا لا يعفينا من المسؤولية، بل يضاعفها ويتطلب بذل مزيد من الجهد في تحمل المسؤولية الأخلاقية والثقافية والدينية الملقاة على عاتقنا، في إيقاظ الضمير الإنساني وتفعيله في مواجهة الأحداث المأساوية.
لا يجوز لنا ترك الساحة لهؤلاء الذين يريدون قيادتنا إلى الصدام والهلاك، وقطع جسور التواصل، ويسعون إلى استدامة الكراهية والعداوة. إن ثقافة الحوار المثمر تقوم على شجاعة الاعتراف بالأخطاء تجاه الآخر، والسعي لتصحيحها، عبر النقد الذاتي والمراجعة الواعية والمستمرة، وعدم الانسياق وراء اتهام الآخر وتحميله مسؤولية تردي الأوضاع. وليس من مقتضيات الحوار الناجح أن يعمد كل طرف إلى الانتصار على الآخر وإفحامه، بل تفهم أعذاره.
ولتوسيع مساحة الاتفاق ينبغي على القادة وممثلي الأديان والمثقفين ورجال الأعمال والفنانين، القيام بمزيد من التواصل والزيارات واللقاءات والحوارات الهادفة إلى تمتين جسور التفاهم بين الشعوب والنخب الثقافية والسياسية والاقتصادية، مع ضرورة وجود مراكز حوارية تسهم في تصحيح الصورة النمطية في الجانبين.