جريدة الجرائد

كلنا ذلك اللبناني

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

علي سعد الموسى  

والقصة في جوهر مقال اليوم تكمن في ظروف ومناخات القبول والتعايش والانفتاح على الآخر المختلف.

ولبنان هنا مجرد مثال وإلا فكلنا ذلك "اللبناني" وإن بنسب متفاوتة على هذه الخريطة العربية الإسلامية الواسعة. قضيت السواد الطويل لليلة ما قبل البارحة متنقلاً ما بين عدة فضائيات لبنانية جادة تعود في ملكيتها ومرجعيتها المهنية إلى طوائف لبنانية عدة. هنا المفارقة: تقول إحصائية وزارة المغتربين اللبنانية إن لبنان يضم اليوم من أبنائه مجرد أربعة ملايين نسمة في مقابل أربعة ملايين مهاجر لبناني في كل بقاع الأرض ودولها وقاراتها المختلفة. وللأمانة والحق، فأنا لم أشاهد مثل اللبناني المغترب في القدرة على الاندماج والتلاقح مع كل الثقافات المستقبلة له في مهاجره المختلفة. يذهب اللبناني إلى غانا والجابون، أو دنفر وسيدني فلا يحمل معه على الإطلاق تباينات المذهب ولا اختلافات الديانة ولا شيء أبداً من أمراض العرق والطائفة. يقبل أينما ذهب على الثقافة الحاضنة بصدر واسع وأكثر من هذا يتجاور ويتعايش مع فئام شعبه المهاجرة معه دون حرف واحد من أسئلة وطنه الساخنة عن الانتماء والهوية.
لكن وعلى النقيض يخلع ذلك القميص الواسع الفضفاض لحظة ما يعود لبلده ليغرق في لوحة الفسيفساء التي احتشدت بكل فصيل ودين ومذهب وطائفة. تستمع إلى قنواته أو تقرأ صحفه فتأخذك الدهشة حد الخيال الذي يصبح فيه وظيفة حتى سائق نقل عمومي رهناً للحسابات وقوانين النسبية الطائفية. هذا اللبناني الذي سبح في كل قارات الكون يصبح في بلده الصغير مدافعاً بشراسة حتى عن تعديل شارع في دائرة انتخابية. هو اللبناني الذي لم يسأل في أي بلد يذهب إليه عن اسم الزعيم ولا عن الحزب الفائز، ولكنه في بلده يبقى لأعوام بلا رئيس حتى تنتصر الحسابات الدقيقة وأنماط التحالفات المعقدة. تفتح اليوم أي قناة لبنانية جادة فلا تسمع سوى معركة الانتخابات النيابية وعلى أي قانون انتخابي ستكون. لديه الاستعداد التام أن يعيش في شلل سياسي من أجل أن لا يخسر ممثل الطائفة مقعده النيابي ولكنه في المهجر يعيش بكل القبول والانفتاح مع كل مكونات شعبه اللبناني في مكتب أو مطعم أو قناة أجنبية دون أدنى سؤال أو ريبة. 
والزبدة أننا جميعاً هو ذلك اللبناني. نشرب كل فيروسات أمراضنا الاجتماعية عندما نعود إلى الجذور ومساقط الرؤوس، وكأن تراب بيئاتنا الأصلية مجرد مختبرات لأمراضنا التاريخية. نعيش مع الآخر ومع أنفسنا بسلام أينما ذهبنا ثم نرفض كل شيء من بيئة الاختلاف حينما نعود.

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف