جريدة الجرائد

ترامب.. هل يعيد سيرة تاتشر؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

 القرار الذي اتخذه ترامب بوضع تمثال نصفي لونستون تشرشل في «المكتب البيضاوي»، مؤشر واضح على أنه يتخذ موقفاً مشابهاً لذلك الذي تبنّته تاتشر

نيوت جينجريتش

بعد أن أصبحت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أول الزعماء الأجانب لقاءً للرئيس دونالد ترامب، فلعل هذا يكون هو الوقت المناسب لتذكيره بأن المرأة الحديدية مارغريت تاتشر (رئيسة وزراء بريطانيا من 1979 حتى 1990)، وليس رونالد ريجان، هي التي تمثل النموذج الأفضل الذي يمكنه الاقتداء به. وقد حمل خطابه الافتتاحي بعد تنصيبه يوم الجمعة، 20 يناير، الكثير من مضامين ونبرة التحدي والمواجهة التي اشتهرت بها تاتشر، حيث كان الرئيس واضحاً في التعبير عن عزمه الراسخ على إحداث التغيير الذي أكثر من الحديث عنه، مؤكداً أنه يرى في فوزه الانتخابي نصراً للشعب الأميركي كله.

ولم يكن خطاب ترامب مصمماً لإعلان قبوله بالتركيب الهيكلي الراهن للقوى في واشنطن بل كان بمثابة الإعلان الصريح عن وقوفه إلى جانب الشعب الأميركي ضد هذا التركيب النخبوي السياسي. وقد انطوى الخطاب أيضاً على تهديد مباشر لنظام القيم الذي يتمسك به اليسار. ومن خلال هذا التوجه الذي يركّز فيه على إجهاض القوى والأيديولوجيات التي يقوم عليها اليسار، فإن ترامب يحاكي تاتشر بأكثر مما يحاكي ريجان.

وكان ريجان يركز على تقويض قوة الاتحاد السوفييتي ذاته وليس على التصدي لقوة الأطروحات التي تعتنقها بعض النخب السياسية ووسائل الإعلام اليسارية التي كانت سائدة في الولايات المتحدة في عهده. وكانت تلك النخب تخاف ريجان ولكنها لم تكن أيضاً غاضبة منه. أما ترامب، فيمثل خطراً مباشراً على قوة وأفكار اليسار. ويعلم اليسار هذه الحقيقة حق العلم، وهو يتصدى لها الآن بنفس الطريقة التي تصدى بها اليسار البريطاني لمارغريت تاتشر.

ويمكن أن نتبيّن الدليل على الاستقطاب السياسي الذي تعرفه أميركا الآن من خلال التمعّن في طبيعة التظاهرات المضادة لترامب، التي شهدتها مدن أميركية عدة خلال أيام تنصيبه، وقد عبّر من خلالها البعض عن رغبة جامحة في تفجير البيت الأبيض! ويمثل هذا النوع من الطرح الغاضب صدمة بالنسبة لمعظم الأميركيين.

وتقول الصحفية «كلير بيرلينسكي» في كتابها القيّم الذي يحمل عنوان «لا بديل عنها: لماذا نهتم بمارغريت تاتشر»، إن تاتشر كانت تسعى من خلال عملها السياسي لتحقيق هدفين عظيمين وتاريخيين: الأول هو العمل على تقويض مفاهيم الشرعية الأخلاقية التي تقوم عليها الاشتراكية. والثاني في عزمها الراسخ على إسقاط طروحات رئيس نقابات عمال مناجم الفحم في بريطانيا «آرثر سكارجيل»، وقد كانت تشكل المؤسسة السياسية الأكثر قوة التي تعيق مجلس العموم (البرلمان) عن ممارسة دوره في حكم البلاد.

وكانت تاتشر ترى أن الاشتراكية تقتل روح المبادرة والمسؤولية الفردية وحب القيام بالأعمال الشاقة والمعقدة، وكلها من الأسس التي ترى أنها تمثل الأساس الذي قام عليه نجاح بريطانيا عبر التاريخ. ولهذا السبب، تميزت حملتها المضادة للقيم والمبادئ الاشتراكية بأنها حملة انتخابية تقوم على المفاهيم الأخلاقية. ولم تتردد في اتخاذ موقف أكثر قوة ضد «سكارجيل» الذي وصفته بأنه يمثل تهديداً حقيقياً للشرعية التي تحظى بها الحكومة المنتخبة في ممارسة الحكم واقتراح مشروعات القوانين. ومن ثمّ، فقد رأت أن من واجبها أن تحارب المدّ الاشتراكي على «الطريقة التشرشليّة» (نسبة لونستون تشرشل) من حيث عمق وشدة القتال وضخامة المردود الناتج عنه. وما القرار الذي اتخذه ترامب بوضع تمثال نصفي لونستون تشرشل في «المكتب البيضاوي» إلا مؤشر واضح على أنه يتخذ موقفاً مشابهاً لذلك الذي تبنّته تاتشر.

وكما هو حال تاتشر فإن ترامب يركز على تحطيم الشرعية الأخلاقية التي يتحجج بها اليسار الأميركي، وهو يعمل على تفتيت القوى الدخيلة على المؤسسات البيروقراطية في واشنطن التي أصبحت عامرة بمجموعات الضغط «اللوبيات». وقد يفسر هذا التوجه القرارات التي اتخذها لإعادة النظر في قوانين الهجرة، والذهاب بعيداً في تنفيذ المشاريع الاستراتيجية والحيوية المتعلقة بالطاقة، التي تندرج جميعاً ضمن أهدافه في الحكم.

وليس من قبيل الصدف بعد كل هذا أن تكون تيريزا هي ماي أول زعيم أجنبي يستقبله ترامب، وخاصة أن الرئيس قد أعرب مراراً وتكراراً عن رغبته في إقامة تحالف أكثر قوة مع بريطانيا. وفيما كان باراك أوباما قد حذّر البريطانيين من التصويت لصالح انسحاب بلادهم من الاتحاد الأوروبي، عندما قال إن ذلك سيعيدها خطوات إلى الوراء، فإن ترامب يعتقد أن هذا الانسحاب «البريكسيت» هو الذي أعاد بريطانيا إلى السكّة من جديد.

* سياسي «جمهوري» وناطق باسم الكونجرس بين عامي (1995 - 1999)

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف